للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت البشائر كالمطر على أجساد وأرواح الشهداء .. ها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يشاهد إحداها .. تحلّق فوق جثمان حنظلة بن أبي عامر .. الذي انسلّ من فراش حبيبته ليسلّ سيفه وروحه دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فقدهما على أرض أحد .. إنه منظر مهيب .. الملائكة تقوم بتغسيله .. فيتساءل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سرّ هذه الكرامة .. سمع الزبير ذلك التساؤل فقال:

(سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر بعد أن التقى هو وأبو سفيان بن الحارث "فلما استعلى حنظلة رآه شداد بن شعوب، فعلاه بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن صاحبكم تغسله الملائكة "فاسألوا صاحبته" فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لذلك غسلته الملائكة) (١)، ومنذ ذلك اليوم صاروا يسمونه "غسيل الملائكة" ..

عُرف الشهداء كلّهم إلَّا واحدًا .. الجميع يبحث عنه .. والجميع يتحدّث عن بسالته .. فأين هو .. أين عمّك يا أنس بن مالك .. أين أنس ابن النضر .. ؟ إنه ليس بين الأحياء ولم يتعرف إليه أحد بين الشهداء .. وتأتي إجابة أنس ممزوجة بالحزن والإعجاب .. بالوفاء والبطولة النادرة ..

لم يتعرف أحد على جثته .. لكن أخته الربيع بنت النضر قدمت من المدينة من أجله .. طافت بين الشهداء وقتلى المشركين فلم ترَ وجه أخيها أنس .. وبينما هي تطوف توقفت أمام جسد أثار انتباهها .. ثم جلست


(١) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه السراج (الإصابة- ١٣/ ٢٩٩) ومن طريقهما رواه الحاكم (٣/ ٢٠٤): حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده .. وهذا السند مر معنا كثيرًا وهو صحيح .. فيحيى ووالده تابعيان ثقتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>