تلك الكلمات التي انطلقت كالرصاص الطائش داخل المسجد كانت أمام سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبصره .. أمام سمع نبي مجروح في عرضه وشرفه ومكانته وهو قائد هذه الأمة .. وفي بقعة هي من خير البقاع على وجه الأرض .. داخل المسجد النبوي الكريم ..
موقفان خطيران .. حدثا أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - ومازالت مشاهدهما تتكرّر في كل زمان .. موقفان يتجسدان أكثر ما يتجسدان بين الدعاة وبين العلماء .. بين من يحملون الإِسلام خطًا ومنهاجًا وإن تحوّرت القبيلة إلى جماعة في بعض المشاهد .. موقفان لا يمكن وصفهما إلَّا بالتطرف ..
موقف من تجتهله الحمية وتقوده فينسى نفسه وحدوده ..
وموقف من يغضب لله ومحارمه غضبًا ينسيه نفسه وحدوده .. فإذا غضبه يقتحم النوايا والقلوب والضمائر ..
لا هذا يهم .. ولا ذاك .. لا موقف سعد بن عبادة رضي الله عنه ولا موقف أسيد بن حضير رضي الله عنه .. لأنها تسر وتفرح ابن أُبَيّ ومن معه .. أما نحن فأمامنا موقف هذا الواقف فوق منبره ..
هذا النبي الذي لا ينطق عن الهوى ..
صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم .. فهو الحكم والحكمة ..
محمَّد - صلى الله عليه وسلم - والبقية تبع لمحمد ..
ماذا فعل بأبي هو وأمي .. وهو يحس بالمنايا تموج تنتظر السيوف والدماء .. لقد قتل الفتنة في مهدها .. وأعاد الطرفان إلى الصواب والحكمة .. فسعد بن عبادة ملء السمع والبصر .. وأسيد بن حضير ملء السمع والبصر .. لكنهما غاضبان .. والأمر لا يستحق أن تسفك من أجله