وكذا لو حلف مدعى عليه وسأل الإشهاد ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى وذلك; لأنه قد ينكر بعد فيفوت الحق لنحو نسيان القاضي أو انعزاله. ولو أقام بينة بدعواه وسأله الإشهاد عليه بقبولها لزمه أيضا; لأنه يتضمن تعديل البينة وإثبات حقه. وخرج بقوله سأل ما إذا لم يسأله؛ لامتناع الحكم للمدعي قبل أن يسأل فيه كامتناعه قبل دعوى صحيحة إلا فيما تقبل فيه شهادة الحسبة. وصيغة الحكم الصحيح (١) -الذي هو الإلزام النفساني المستفاد من جهة الولاية- حكمت أو قضيت له به أو نفذت الحكم به أو ألزمت خصمه الحق. ولو حكم في نفسه في مختلف فيه وأشهد بالحكم لم يتأثر بعد ذلك بنقض مخالف له. وإذا عُدِّلت البينة لم يجز الحكم إلا بطلب المدعي كما تقرر، فإذا طلبه قال لخصمه ألك دافع في هذه البينة أو قادح؟ فإن قال لا، أو نعم ولم يثبته حَكََمَ عليه وإن وجد فيها ريبة لم يجد لها مستندا. وقوله ثبت عندي كذا، أو صح بالبينة العادلة ليس بحكم وإن توقف على الدعوى أيضا سواء أكان الثابت الحق أم سببه؛ لانتفاء الإلزام فيه، وإنما هو بمعنى سمعت البينة وقبلتها ويجري في الصحيح والفاسد، نعم يستثنى من جريان الثبوت المجرد فيما قصد إثبات فساده إثباتُ وضبط الفسق عند عدم الحاجة إليه وإلا -كإبطال نظره- فالأوجه الجواز، ثم إن الثبوت ليس حكما بالثابت وإنما هو حكم بتعديل البينة وقبولها وجريان ما شهدت به، وفائدته عدم احتياج حاكم آخر إلى النظر فيها. ولو ثَبَّتَ الحق -كإن قال ثبت عندي وَقْفُ هذا على الفقراء- لم يكن حكما لكنه في معناه فلا يصح رجوع الشاهد بعده بخلاف ثبوت سببه كوقف فلان؛ لتوقفه على نظر آخر، ومن ثم يمتنع على الحاكم الحكم به حتى ينظر في شروطه، وتنفيذ الحكم لا يكون حكما من المنفذ إلا إن وجدت فيه شروط الحكم عنده وإلا كان إثباتا لحكم الأول فقط.
(١). قال الشارح في موانع الإرث أن تصرف الحاكم ليس بحكم إلا إذا كان في قضية رُفعت إله وطلب منه فصلها ٦/ ٤٢٢.