للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِعَيْنِهِ يُنْقَلُ إِلَى الْجَنَّةِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُرَادِ بِبَيْتِي هُنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْقَبْرُ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ كَمَا رُوِيَ مُفَسَّرًا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي وَالثَّانِي الْمُرَادُ بَيْتُ سُكْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَرُوِيَ مَا بَيْنَ حُجْرَتِي وَمِنْبَرِي. قَالَ الطبري: والقولان متفقان لِأَنَّ قَبْرَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَهِيَ بَيْتُهُ. قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ غَيْرَهُ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْبَرًا عَلَى حَوْضِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ صَاحِبَهُ الْحَوْضَ ويقتضي شربه منه والله أعلم. (١)

قلت: وردت بعض روايات هذا الحديث بلفظ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي، وبعضها بلفظ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي.

فذهب بعض العلماء إلي أن الرواية الصحيحة هي رواية: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي. وأن رواية: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي: إنما هي رواية بالمعني باعتبار أن النَبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد دُفِن في بيته فصار بيته هو قبره. وعلي هذا فرواية: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي إخبار على ما كان الأمر عليه بعد ذلك. وذهب بعض العلماء إلي أن الله أَعْلَمَ نبيه بالموضع الذي يموت فيه وأنه سيدفن في بيته فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ. قلت: وفي هذا إشارة إلي صحة الروايات التي جاءت بلفظ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي.

فقال ابن تيمية: وَالثَّابِتُ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. هَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَقَالَ قَبْرِي، وَهُوَ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُبِرَ بَعْدُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمَّا تَنَازَعُوا فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ وَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ لَكَانَ نَصًّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَلَكِنْ دُفِنَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. (٢) وقال أيضاً: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. هَذَا لَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُ " قَبْرِي " لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ قَبْرٌ. (٣)

وقال ابن حجر: قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ لَمَّا ذَكَرَ فَضْلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ بِقَاعِ الْمَسْجِد أفضل من بعض وَتَرْجَمَ بِذِكْرِ الْقَبْرِ وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَيْنِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْقَبْرَ صَارَ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ الْقَبْرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بَيْتِي وَيُرْوَى قَبْرِي وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ دُفِنَ فِي بَيْتِ سُكْنَاهُ. (٤) وقال العيني: قوله: مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة. قيل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث غير تَامَّة لِأَن الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة الْقَبْر وَفِي الحَدِيث الْبَيْت وَأجِيب بِأَن الْقَبْر فِي الْبَيْت لِأَن المُرَاد بَيت سكناهُ وَالنَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- دفن فِي بَيت سكناهُ. قَوْله: بَيْتِي هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة ورُوى


(١) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ٩/ ١٦١، ١٦٢.
(٢) يُنظر "مجموع الفتاوي" ١/ ٢٣٦.
(٣) يُنظر "مجموع الفتاوي" ٢٧/ ٣٢٥.
(٤) يُنظر "فتح الباري" لابن حجر ٣/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>