للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خصوص طريق بعينه. وهنا أمور تدل عليه: منها أن مثله لا مجال للرأي فيه فوجب كونه سماعاً، وكذا إن قلنا العبرة في تعارض الوصل والوقف والإرسال للواصل بعد كونه ثقة لا للأحفظ ولا غيره، مع أنه قد صح تصحيح نفس ابن عيينة له في ضمن حكاية حكاها أبو بكر الدينوري. فبجميع ما ذكرنا لا يشك بعد في صحة هذا الحديث سواء كان على اعتباره موصولاً من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، أو حكماً بصحة المرسل لمجيئه من وجه آخر، أو حكماً بأنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب أنه مما لا يدرك بالرأي. وأعني بالمرسل ذلك الموقوف على مجاهد بناء على أنه إذا كان لا مجال للرأي فيه بمنزلة قول مجاهد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأيضاً فإن الحديث معروف عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر. فقد ثبت حسنه من هذا الطريق، فإذا انضم إليه ما قدمناه حكم بصحته. (١) وقال ابن حجر: ومرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به علي ما عرف من قواعد أئمة الحديث. (٢) وقال السخاوي: حديث مجاهد، عن ابن عباس: رواه الحميدي، وابن أبي عمر وغيرهما من الحفاظ كسعيد بن منصور عن ابن عيينة بدون ابن عباس فهو مرسل، وإن لم يصرح فيه أكثرهم بالرفع لكن مثله لا يقال بالرأي، وأحسن من هذا كله عند شيخنا ـــــ أي ابن حجر ــــ ما أخرجه الفاكهي من رواية ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد عن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه قال: لما حج معاوية فحججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال: انزع لي منها دلو يا غلام، قال: فنزع له منه دلوا فأتى به فشرب وصب على وجهه ورأسه وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له، بل قال شيخنا: إنه حسن مع كونه موقوفاً، وأفرد فيه جزءاً، واستشهد له في موضع آخر بحديث أبي ذر رفعه: إنها طعام طعم وشفاء سقم، وأصله في مسلم وهذا اللفظ عند الطيالسي قال ــــ أي ابن حجر ــــ ومرتبة هذا الحديث أنه باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به، وقد جربه جماعة من الكبار فذكروا أنه صح، بل صححه من المتقدمين ابن عيينة، ومن المتأخرين الدمياطي في جزء جمعه فيه، والمنذري، وضعفه النووي. (٣) (٤) قلت: لكن ضعفه النووي من طريق ابن المبارك، عن ابن أبي الموال، عن ابن المنكدر، عن جابر. وقال السيوطي: أخرجه ابن ماجه من حديث جابر بسند جيد والخطيب في التاريخ بسند صححه الدمياطي، وصححه أيضاً المنقري، وضعفه النووي، وحسنه ابن حجر لوروده من طرق عن جابر. (٥) وقال السيوطي أيضاً: أخْرُج هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم، وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب، وَابْن حبَان وَمن الْمُتَقَدِّمين ابن عُيَيْنَة وَمن الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ ابن حجر واشتهر عَن الشَّافِعِي أنه شربه للرمي فَكَانَ يُصِيب من كل عشرَة تِسْعَة، وأفردت فضائلها بالتأليف كَذَا ذكره شَيخنَا عَابِد السندي فِي حَاشِيَة الدّرّ إنْجَاح مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ هَذَا الحَدِيث مَشْهُور على الْأَلْسِنَة كثيراً وَاخْتلف الْحفاظ فِيهِ فَمنهمْ


(١) يُنظر "فتح القدير" لابن الهمام ٢/ ٥١٩، "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلاني ٣/ ١٨٠.
(٢) يُنظر "جزء فيه الجواب عن حال الحديث المشهور في ماء زمزم لما شُرب له" صفحة ٢١.
(٣) يُنظر المقاصد الحسنة" للسخاوي ٢/ ٣٥٧.
(٤) يُنظر "المجموع" للنووي ٨/ ٢٦٧.
(٥) يُنظر "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" للسيوطي ١/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>