وزواره وحوله مرابط الخيل، وفناؤه ملعب الفتيان، إذ كان همه الاشتغال بالفروسية وما يكتسب به فنون الذكر الجميل وضروب المحمدة، وندماؤه الفتيان ذوو الكرم والحرية، والافتنان في اللعب والشطارة، وبقرب داره مدارج الكرامات، ومبوأ الضيافات، ومجزر النوق العشار الصحيحات الرائعات، فتجر حيرانها إذا بعجت عنها بطونها لكبرها. يريد أن ما يضن بأمثالها ويتنافس فيها، هو يبتذلها ويستهين بها، وله دار ندامةووفادة، تنصب فيها الموائد، وقد رتب عليها الإخوان على سنن الدوام، ولا يقع فيه خلل ولا تجوز، ولا فتور ولاتخون.
وقوله:" فقلت له إني أتيتك راغباً " يريد تعرضت له وأريته رغبتي في معروفه، وعرفته أني قصدته على ناقة سريعة من مكان بعيد، فقد دميت أخفاقها وحفيت، وأني رجل مضرور، أسير فاقة وفقر، محتاج من جهته إلى تفقد ومواساة. فقال في جوابي: أتيت أهلاً لا غرباء، ونزلت سهلاً من الجوانب لا حزناً، واخترت رحباً لاضيقاً، فأنت في قلبي وصدري بحيث أجعل مهماتي وحاجاتي، تشملك عنايتي، ويسعك إفضالي، فكن كالشريك فيما لنا، لاتمايز ولاتباين، ولا تمانع ولا تضايق. فقلت له في مقابلة ما أورده داعياً وشاكراً: هنأك الله ما أعطاك، ومطر أرضك ومأواك، بجود من سحابة نشأت بنوء يحيى كل نبت وريحان، بكل أرض ومكان. وقلت أيضاً: داعياً له بالسقيا: سقاك الله خمرةً صافية رقيقةً، ممزوجة بماء مطر حائر بين المنافع والغدران، بعد أن تقاذفته المدافع والمسلان، وتقطع بأنضاد الحجر، وتغلغل في جوانب الخمر. والمصدان: جمع مصاد، وهي شقوق الجبال. وقال الخليل: المصدان: الهضاب، واحدها مصاد، وفي أدنى العدد أمصدة، ومنه سمى المعقل مصادا. والفغو: ماله رائحة طيبة من النبات، وكذلك الفاغية. والذعلبة يوصف بها النعامة والناقة الشديدة السريعة. ويقال: اذلعب البعير إذا أسرع. وسلافة الخمر: أول ما يخرج من عصيرها. وإضافة الخمر إليها على طريق التبيين. وهذا كما يفيده " من " من قوله: " فاجتنبوا الرجس من الأوثان ".
وقال آخر:
لمست بكفي كفه أبتغى الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي