ومن كلام الناس: عشنا زمناً طويلاً عريضاً، والدهر الطويل العريض. وكل ذلك تشبيه بالأجسام. وعلى ما فسرناه يتعلق الجار من قوله: في ليل صولٍ بتناهي. وقد استعمل العرض منفرداً عن الطول والمراد به السعة؛ على ذلك قوله تعالى:" فذو دعاء عريض "، وقوله عز وجل:" وجنةٍ عرضها السموات والأرض ".
وقوله:" لا فارق الصبح كفي "، يجوز أن يكون دعاء، يريد: إن ظفرت بالصبح فلا فرق الله بيني وبينه، كما يقال: لا بارك الله في الكفار، ويجوز أن يكون إخباراً. والمعنى أنه يتشبث به فلا يخليه للزوال. وهذا على التشوق له والتبرم بليله. والليل في الاستعمال بإزاء النهار على الإطلاق، والليلة بإزاء اليوم. وهذا يدل على أنه لم يقصد إلى ليلة واحدة، وإنما أراد: الليل في صول هكذا علي.
وقوله " إن بدت غرةٌ منه وتحجيل "، يريد تباشيره ممتزجةً بالظلام، كأنه جرى على عادة الناس في قولهم للمتشوف المتوقع: إن ظفرت بزيد أو رأيت وجهه فعلت كذا، والمراد إظهار الفاقة إليه وشدة التشوف له، وطول الملازمة له إذا ظفرت به. والغرة والتحجيل معروفان. وقد قيل: صبح أقرح، مأخوذ من القرحة، لأنه بياض في سواد. وقوله " لساهر "، واللام تعلق بقوله " وإن بدت ". ويعنى بالساهر نفسه، كما أراد بذكر الغرة والتحجيل نفس الصبح. والتململ: القلق والانزعاج. وإنما تقلقل على فراشه لأرقه واستطالته لليل، ثم شبه نفسه في التوائه واضطرابه بحيةٍ قتل بالسوط فطال اضطرابه لطول ذمائه.
متى أرى الصبح قد لاحت مخايله ... والليل قد مزقت عنه السرابيل
ليل تحير ما ينحط في جهة ... كأنه فوق متن الأرض مشكول
نجومه ركد ليست بزائلة ... كأنما هن في الجو القناديل
قوله " متى أرى الصبح " لفظه استفهام ومعناه التمني والتطلع، واستبعاد المنتظر المترقب. ومخايله: ما يتبين به دنوه. كأنهأظهر ما عليه النفس من ضجره بالليل واسراحته للصبح. ولك أن تروي " والليل " بالنصب، ويكون مردوداً على الصبح وداخلاً تحت متى أرى. ولك أن تروي " والليل " بالرفع ويكون الواو للحال، ويرتفع الليل بالابتداء. و " قد مزقت " في موضع الخبر، ويعني بالسرابيل الظلام.