للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا ينعطف على قوله وضعت أراهط فاستراحوا. يقول: وتساقط الدخلاء والهجناء الذين نيطوا بصميم العرب فلم يكونوا منهم. والتنواط مصدرٌ في الأصل، كالترداد والتكرار؛ وكأن المراد ذوو التنواط؛ فحذف المضاف وأقيم الضاف إليه مقامه. ويجوز أن يكون وصف به كما يوصف بالمصادر. وذكر بعضهم أن التنواط ما يعلق على الفرس من إداوةٍ وغيرها؛ لأن كل ذلك قد نيط به، ثم أطلق تشبيهاً على الدخلاء. وقد استعمل هذه اللفظة في الدعي، فقيل: هو منوطٌ. وقال الشاعر:

وأنت دعيٌ نيط في آل هاشمٍ ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

فعلى هذا يجوز أن يريد بذوي التنواط الأدعياء. وقوله الذنبات، يريد التباع والعسفاء. ويقال الذنائب والأذناب أيضاً. وكما قيل هذا تشبيهاً بذنابة الوادي، قيل في الرؤساء الذوائب، لأنهم الأعلون. وذكر بعضهم أن الذنبات لا يقال في الناس، وإنما يقال لهم أذناب، ثم أنشد:

قومٌ هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا

ومن حيث جاز الأذناب واستعارتها جاز استعارة الذنبة والذنابة والذنائب والذنبات، ولا فصل. وقوله " إذ جهد الفضاح " معناه بلغ بالفضيحة جهدها ولم يرض بالعفو منها. وفي الوقت الذي أشار إليه، لا يثبت إلا من يرجع إلى كرمٍ متناهٍ، وحرصٍ على المحافظة على الشرف بالغٍ.

كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح

أخذ يقتص ما جرى عليهم. وقوله " كشفت لهم عن ساقها " مثلٌ يضرب لشدة الحرب، وإنما أهلها في ذلك الوقت يكشفون عن الساق، فجعل الفعل لها، والمراد انكشفت الحرب لهم عن تشمر أهلها واشتدادها. وقد قيل: الساق اسمٌ للشدة، وفسر عليه قوله تعالى: " يوم يكشف عن ساقٍ " فقيل: المعنى يوم يكشف عن شدة. وكذلك كشفت الحرب عن ساقها، معناه أبرزت عن شدتها. وقوله " وبدا من الشر الصراح " أي الخالص الذي لا يمتزج به خيرٌ ولا يرجى بعده صلاحٌ.

<<  <   >  >>