للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمبتدأ (كلاهما) ، و (ما اسطاعا) في موضع الظرف وإسم الزمان محذوف معه. واسطاع منقوص عن استطاع. وتقدير الكلام: كلاهما شحيحان به مااسطاعا عليه، أي ما قدروا عليه، ومعنى (يلبسان المجد) ، أي يتمليانه ويمتعان به. وقال:

لبست أبي المجد أبي تمليت عيشه ... وبليت أعمامي وبليت خاليا

شهابان منا أوقدا ثم أخمدا ... وكان سداً للمدلجين سناهما

ارتفع (شهابان) على أنه مبتدأ، وجاز الأبتداء به لكونه موصوفاً بمنا، وأوقد في موضع الخبر، والمعنى: أنهما لم يمهلا للتمام والكمال، بل كانا كنارين أوقدتا ثم أنبعتا بالإخماد. والكلام توجع وتلهف. وقولها (وكان سداً للمدلجين سناهما) تريد نارهما الموقدة للضيفان وللطراق بالليل، وأنهم كانوا يستضيئون بها فيردون فناءه مستمسكين أرماقهم به، ومتخلصين من سلطان البرد والجوع وشقة السفر إليه. ولا يمتنع أن يرتفع شهابان على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هما شهابان.

إذا الأرض المخوف بها الردى ... يخفض من جاشيهما منصلاهما

تصفها بالصبر في دار الحفاظ، وأنهما إذا نزلا مكاناً مخوفاً لا يؤمن الردى فيه يسكن من قلقها سيفاهما. وهذا فيه إعلام بأنهما كانا لايعتمدان في الشدة تنزل بساحتهما على غيرهما، وأنهما كانا يتحملان الأثقال بأنفسهما، فلا صاحب لهما يتكل عليه، ولا معين يسكن إليه، إلا السيف. فهو كقول الآخر:

ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا

إذا استغنينا حب الجميع إليهما ... ولم ينأ عن نفع الصديق غناهما

تقول: وإذا نالا الغنى وساعدها الحال حبب جماعة الحي والمتعلقين بحبلهما، فازداد توفرا عليهم، وتفقدا لهم، ولم يبعد غناهما من انتفاع الغرباء والأجانب، ومن يتسبب بود صداقة إليهما. فقولها (حب الجميع إليهما) مقصور

<<  <   >  >>