للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحتفة بالاناء المذكورة لها: أشيري إليه في السر إشارة تفتنه، واعرضي عليه محاسنك ما يخبل قلبه بعد تعرضه لنا في سمته ووقاره حتى لا يروح عنا صحيحاً، وإن لم تبالغي في استغوائه وفتله عن رشاده، وإهلاكه، فكوني منه على أوفى محل. فائتمرت لهن وألقت قناعاً وراءه الشمس، أي وجه إشراقه كإشراق الشمس، فعرضت وجهها ثم سترته فأيدت كفها ومعصمها - وهو موضع السوار من يدها - أيضاً، وتكلمت بكلام كالمنكرة من نفسها ما اتفق عليها، والمستححية المتذممة من حالها، فلما علم النساء أنها أفرغت في فؤاده بالكلام، وفي عينيه بالكف والوجه السحر أي صبت - قلن للشاب المتعرض: قم عنا فابك لما نابك وأنت لا تعلم. والسحر: إخراج الشيء في أحسن معراضه حتى يفتن، لذلك قيل للرائق المعجب: هو السحر الحلال. يقال: سحرت الفضة، إذا طليتها بالذهب. إن قيل: أين مفعول قالت؟ قلت: إنه هنا في معنى تكلمت، فاستغنى عن المفعول، ومثله قول عمر بن أبي ربيعة:

لحاجة نفس لم تقل في جوابها

أي لم تتكلم.

فود بجدع الأنف لو أن صحبه ... تنادوا وقالوا في المناخ له نم

يقول: انصرف عنهن وهو يتمنى أن جدع أنفه في وقت ما هم بالخروج إليهن، ويمنعه أصحابه من التعرض لهن، وقالوا له: نم في المناخ ولا تبرح، ويجوز أن يكون معناه: ود أن يتركه صحبه ويقولوا له: نم في المناخ ولا تتبعنا، وأن أنفه قطع. والباء من قوله بجدع هو الذي يفيد معنى العوض. تقول: هذا بذاك، أي عوض من ذاك.

وقوله تنادوا يجوز أن يكون معناه تجمعوا، من الندى وهو المجلس؛ ويجوز أن يكون من النداء، أي تداعوا وقالوا له ذلك.

وقال آخر:

نظرت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر

<<  <   >  >>