أبو بكر باشا الطرابلسي والي مصر من طرف الدولة العثمانية وكانت ولايته من سنة إحدى عشرة ومائتين وألف
كان وزيراً عاقلاً إلا أنه لم تساعده يد الإقبال، ولم تلاحظه عين العناية في تسديد الأقوال والأفعال، وذلك لاستطالة المماليك على الأراضي المصرية، ونفوذ كلمتهم بها على كلمة الوزارة العثمانية، فكان ما كان من خروجه ودخول الأجانب، وتسلطها على بلاد مصر وإيقاعها في المعاطب، وبيان ذلك مع التفصيل، المقتضي عدم التطويل، قال في الفتوحات الإسلامية، المنسوبة للحضرة الأحمدية الدحلانية: كانت مصر قبل أن تتملكها الدولة العثمانية بيد ملوك الجراكسة، وكان لهم كثير من المماليك الذين هم أيضاً من الجراكسة ومن غيرهم من الترك، فلما تملكت الدولة العثمانية مصر لم تزل المماليك باقين وفي كل وقت يزدادون حتى بلغوا غاية الكثرة، وكان منهم أمراء ورؤساء، فصارت لهم عصبية قوية، فتغلبوا على الأملاك والأراضي والأطيان والمحصولات والخراجات والجمارك، وكانوا إذا جاء الباشا المتولي على مصر من الدولة العلية ينقادون له في الظاهر وفي الباطن هم متغلبون، فكانوا يبقونه إذا أرادوا ويعزلونه إذا أرادوا، ولا يصل إلى الدولة من محصولات مصر إلا القليل والباقي بأيديهم، وكان لهم رؤساء، وعلى الجميع أمير كبير تحت أمر الوزير المتولي من السلطنة صورة وظاهراً فقط، فلما تغلبوا هذا التغلب كثر منهم الظلم والعدوان على المسلمين وغيرهم من طوائف النصارى واليهود، فيتعدون كثيراً عليهم لاسيما على تجارهم، وكانت الدولة العلية مشتغلة عنهم بكثرة الحرب مع النصارى، فطمع الفرنسيس في تملك مصر وإبعاد هؤلاء المماليك المتغلبين، وأوهموا على المسلمين أنهم إنما يريدون تخليص مصر منهم وبقاء الحكم فيها للدولة العلية، فجهز الفرنسيس عليها جيوشه بالسر والكتمان من غير اطلاع