للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشيخ حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي]

النجيب الأريب، واللبيب الأديب، أعجوبة الزمان، ونادرة الوقت والأوان، الذكي الألمعي، والسميدع اللوذعي، كان من أعجب العجائب في عصره، مميزاً شهيراً في مصره، طاف البلاد والنواحي، وجال في الممالك والضواحي، واطلع على عجائب المخلوقات، وعرف الكثير من الألسن واللغات، ويعتزي لكل قبيل، ويخالط كل جيل، فمرة ينتسب إلى فارس، وتارة إلى بني مكانس، ومرة ينتمي إلى هندستان وأخرى إلى أفغانستان، فكأنه المعني بما قيل، في غابر الأقاويل.

طوراً يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن رأيت معدياً فعدناني

هذا مع فصاحة لسان، وقوة جأش وجنان، والمشاركة في كل فن من الرياضيات، وطول الباع في المحاضرة والأدبيات، حتى يظن السامع كل الظن، أنه منفرد في ذلك الفن، وليس الأمر كذلك، وإنما قوة الفهم والحفظ والقابلية سلكته هذه المسالك، فحاز على رتبة الترقي، من غير حاجة إلى الأخذ والتلقي، وساعده انقراض أهل الفنون، فكاد أن يتكلم بما لا يفهمه الحاضرون، ومع ذلك يحفظ اصطلاحات الفن وأوضاع أهله، ويبرزه في ألفاظه ينمقها ويرونقها تدل على عدم جهله، ويذكر أسماء كتب مؤلفة وأشياخاً يستند إليها، يقل الوصول والاطلاع عليها، ولمعرفته باللغات خالط كل ملة، فيظن من خالطه أنه منهم من غير علة ويحفظ كثيراً من الشبه العقلية، والعقائد والبراهين الفلسفية، مع إهماله الواجبات الشرعية، والفرائض الدينية القطعية، وربما قلد كلام الملحدين، وشكوك الخارجين المارقين، وكثيراً ما كان يزلق في بعض المجالس، فيطلق لسانه بغلطات من ذلك ووساوس، فلذلك طعن الناس عليه في

<<  <   >  >>