وأذن له شيوخه بالإفتاء والتدريس، وأجازوا له، ثم عاد إلى حلب بفضل وافر، وأقام بها ينشر الفضائل ويفيد الأفاضل، وتصدر للإفادة والإقراء، ولازمه جماعة كثيرون وانتفعوا به، ثم ضرب عن ذلك صفحاً ورام ما هو أعظم ربحاً، واعتزل الناس واشتغل بالعبادة والسكون، وانزوى في داره مع الورع والزهد التام، واعتقده الناس وأقبلوا عليه، وكانت فضائله مشهورة وأحواله مذكورة. ولم يزل على حالته الحسنة حتى مات في صفر سنة أربع ومائتين وألف ودفن بتربة الشيخ أبي نمير خارج باب قنسرين.
[الشيخ محمد مكي بن موسى بن عبد الكريم الحلبي الحنفي]
العالم الفقيه الأصولي المقري الضابط الصالح أبو الإتقان، أحد القراء والحفاظ المشهورين، والفضلاء البارعين بحلب.
مولده بها سنة خمس وأربعين ومائة وألف، وكان جده من دمشق وارتحل إلى حلب، ومات بها قرأ القرآن العظيم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وحفظه على الأجلاء من القراء، كالشمس البصري ومحمد بن عمر الشاهين وعبد الغني المقري بمحلة الجديدة وعلي المصري وأتقن الحفظ وضبطه، وحفظ الشاطبية وقرأ السبعة من طريقها على الشمس البصري شيخ القراء المذكور، وشرع بالأخذ والاشتغال بالعلوم، فقرأ الفقه والأصول والعقائد والمنطق والنحو والصرف والمعاني والبيان وغالب الفنون على جماعة، وأسمع الحديث على جمع، منهم أبو عبد القادر محمد بن صالح بن رجب المواهبي، قرأ عليه الدرر وشرح النخبة في أصول الحديث والتوضيح لابن هشام وشرح الألفية للأشموني والشفاء للقاضي عياض، وعلى والده عماد الدين إسماعيل أكثر من نصف الهداية، وشرح الجوهرة في التوحيد، وسمع عليه