المترجم على الوالد في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيراً من الفروع الغريبة في المذهب والرياضيات، وكان به بعض رعونة. ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة وأخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله وسمعته يقول له:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة سبع وثمانين ومائة وألف. وأملق حاله وتكدر باله، ثم سافر إلى دمياط وأقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية، وراج أمره هناك لشغور الثغر عن مثله، ثم قدم مصر لأمر عرض له فأقام بمصر وأراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم يجد من يشتريها بالثمن المرغوب. وكان إنساناً حسناً يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة الذهن، وربما تعلق ببعض فنون غريبة، ولذا قل حظه وأنشدني لنفسه أبياتاً مدح بها قاضي الثغر واسمه محمد نصري وبيت تاريخها هذا:
رجاه مذهب النعمان أرخ ... بشرع محمد نصري مقدم
وهما تاريخان كما ترى، توفي رحمه الله سنة سبع ومائتين وألف وحيداً في داره وهو جالس من غير سابقة مرض ولا إشارة نسأل الله حسن الخاتمة.
[السيد عبد الرحمن بن بكار الصفاقسي نزيل مصر]
العمدة الجليل والنبيه النبيل، العلامة الفقيه الشريف والفهامة اللطيف، قرأ في بلاده على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فأكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة، ولبس ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها، وأثرى وقدم إلى مصر وألقى دروساً بالمشهد الحسيني، واتحد مع شيخ السادات الوفائية السيد أبي الأنوار فراج حاله، وزادت شوكته على أبناء جنسه وتردد إلى الأمراء وأشير إليه، ودرس كتاب الغرر في مذهب السادة