للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السيد محيي الدين باشا بن السيد الأمير عبد القادر بن السيد محيي الدين الجزائري الحسني المتصل نسبه بسيدي عبد القادر الجيلاني الحسني رضي الله عنه

إنني لم أجد عبارة تفي في حقه بالمدح، غير أني أرسلت اليراع يجول في ميدان الفتح، ومن أين لي أن أترجمه بما يليق، أو أن أصفه بما هو به حري وحقيق، وهو الأمير الذي ورث الإمارة عن أبيه وجده، والشهير الذي استوى على عرش الفضائل بإجتهاده وجده، والأديب الذي يمتزج كلامه بأجزاء النفس لطافة، والأريب الذي رق طبعه حتى حاكى النسيم رقة ونحافة، تحلى بالمكارم فكانت مقصورة عليه، وتجلى على عرش الكرائم المنتسب أكرمها إليه، ولقد لحظته عين السعادة فقصرته من كل محبوب على الأعلا، وجذبته يد السيادة لكل مرغوب فقلدته منه بالأولى، ورفعه ساعد العلم إلى ذروة الكمال، ووضعه صائب الفهم الثاقب على نقطة الاعتدال، فله من الملح ما يزري بنوافث السحر، ومن المنح ما ينقل ذوي الحاجات إلى الغنى بعد الفقر، وإن سألت عما ناله من رقيق الأخلاق وأنيق اللطف والارتفاق، فهو واحد هذا العصر بل نادرة الزمان وثمرة الدهر، وأما طلاوة نظمه ونثره، وحلاوة قريضه وشعره:

يستنبط الروح اللطيف نسيمه ... أرجاً ويوكل بالضمير ويشرب

فلعمري إن عقود ألفاظه أحلى من عقود النحور، وأبكار معانيه لو مازجها النسيم لأزالت ملاحتها ملوحة البحور، فما من جارحة إلا وهي تود لو كانت أذناً فتلتقط ثمين جواهره، أو عيناً لا تنفك عن مطالعة طرائفه ونوادره، أو لساناً يدرس محاسنه وشمائله، أو قلماً يرقم مآثره وفضائله. بالجملة فقد نال في الأدب رتبة عجز غيره عن استعلامها فضلاً عن علمها، وحاز فهمه الشريف منحة كل غيره عن استفهامها دون فهمها، تنتهي إليه محاسن الألفاظ وتزدهي معانيه على غمزات

<<  <   >  >>