الألحاظ، فأشعاره قد طارت في الآفاق، وانعقد على كمال جمالها الاتفاق، لا يبلي جدتها الجديدان، ولا تزداد إلا حسناً على تردد الأزمان، قد كادت الأيام تنشدها طرباً، والأنام توردها حلية وأدبا، ونثره يقطر ظرفاً ويمزج بالراح رقة ولطفا، لسان الراغب في مدحه عن مراده قاصر، وقلم الكاتب عن استيفاء حليته في ميدان جولانه حائر، فلا ريب أنه عين الزمان ويمينه، لو حلف الدهر ليأتين بمثله حنثت يمينه، فهو بحر كله جود، وحبر كل فضل في ذاته موجود، مع تواضع يفرغ على مجالسه جلباب السرور، ولطف يجلب لمؤانسه كل حبور، ومنطق تحاشى عن النطق بما يعاب، ووجه بشوش يوهم المسيء له أنه بفعله أصاب، غير أن يده قد صالت على ماله، فلا ترد يد مستمنح خالبة من نواله، كثير المروءة والفتوة، يميل في أموره إلى الحزم والقوة. حسن المجالسة عذب الاستشهاد، لا يأتي جليسه بمعنى من العلوم إلا واستشهد له بأبيات من حفظه أو نظمه حسب المراد.
وقد أخبرني حفظه الله حينما سألته عن مقدار ما يحفظه من الأبيات الشعرية، فقال: ما ينوف على عشرين ألف بيت من نظمه ونظم غيره زيادة على المحفوظات النثرية، يهوى الإطلاق والطرب ومذاكرة العلوم، ويأبى الترفع والتحجب والتمسك بأحوال ذوي الرسوم، ويقول بأن رفعة القدر والشأن، ليس بالعجب والكبر وسلاطة اللسان، وكيف لا يكون كذلك وهو فرع شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، قد اتصلت بسيد الرسل وسند الأنبياء.
وأما والده فهو علم الفضل والإنصاف، وشرف النعوت والأوصاف، افتخر به الآباء والبنون، وتجملت بفضائله الشهور والسنون، شهرته من الأنام شهرة القمر ليلة بدره، ومحله من الكمال حيث يستمد كل ذي قدر من قدره، وهذا المترجم نتيجة ذلك الأصل، فلذا تفرد في زمانه في الكمال والفضل، تحقق بأنواع العلوم الحديثة والقديمة، وتعشق في الطريق الواضح فكان لا يسلك غير الطريقة القويمة، وناهيك بهذا الشرف العظيم والفضل الجسيم.