ولد حفظه الله في ثالث ربيع الثاني سنة تسع وخمسين ومائتين وألف بإقليم الجزائر، ونشأ في حجر والده عمدة السادة الأكابر، وحفظ القرآن عن ظهر قلب وهو ابن ثمان سنين وشهور، وأقبل على حفظ المتون في أنواع العلوم ما بين منظوم ومنثور، ثم قرأ فقه المالكية على الشيخ محمد بن عبد الله الخالدي المغربي وعلى غيره من العلماء الأخبار، وقرأ جملة من الفنون على الفاضل الدمشقي الشيخ محمد الجوخدار. ثم قرأ على الإمام الكامل والهمام الفاضل الشيخ محمد الطنطاوي الزهري الكتب الكبيرة في أنواع العلوم، وحضر على والده الحديث والتوحيد، وأجازوه جميعاً بما تجوز لهم روايته من منثور ومنظوم. ولما رأى فيه والده الأهلية للتدريس العام، أمره بأن يقرأ درساً بحضرته وحضرة العلماء الكرام، فامتثل أمر والده المبرور، وكان يرى على وجهه حين حضوره في درسه البشر والسرور، وأجازه على ذلك ترغيباً له بجائزة سنية، وتفرس به الترقي إلى الرتب العلية، وكان سنه إذ ذاك ثمانية عشر، حتى تعجب من نبله وفصاحته وجسارته من حضر، وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف، أنعم عليه السلطان الغازي عبد العزيز خان، برتبة ازمير مع النيشان العثماني من الرتبة الثالثة ذات القدر والشأن.
وفي عام اثنين وثمانين في ثالث ذي الحجة الحرام من الهجرة النبوية، توجه للسياحة في البلاد الأفرنجية، فتوجه إلى رومة وبلاد إيطاليا، ثم إلى مملكة سويسرة، ثم إلى عاصمة الفرنسيس، وفي ثاني يوم وصوله زار الأمبراطور نابليون الثالث فأكرمه وعامله بغاية الإقبال والتأنيس، ودعاه إلى مائدته وبالغ في مودته، ثم استأذن منه في السياحة في أنحاء مملكته، فدارها ثم رجع إلى العاصمة فاستأذن من الإمبراطور في الرجوع إلى أهله وبلدته، فجدد إكرامه وأهداه ننيشاناً وودعه بك إقبال، فتوجه إلى البلاد المصرية فساح بها مدة ثم رجع إلى محل إقامته بعد ذلك الترحال، وكان مدة ذلك