والحبر الذي جعل الكتاب والسنة وسائطه إلى الله ووسائله، دأب على تحصيل العلوم منذ كان طفلاً، واعتصم بحبل التقوى والعبادة قولاً وفعلا، وزهد في الدنيا فكانت تأباه ويأباها، وأقبل بجده واجتهاده على أعمال الآخرة إلى أن صارت تهواه ويهواها، واعتزل عن الناس وألف الانفراد، وواصل السهاد وطلق الرقاد، واعتكف في حجرته ليله ونهاره، وقصر على العمل والعلم أطواره وأوطاره، وكان إذا جلس في حجرته قفل بابه، وإذا أراد أحد منه مسألة وقف أمام شباك حجرته فإذا سأله أجابه، ثم رجع إلى ما كان عليه في الحال، واشتغل بما ينفعه من غير إمهال، وللناس به اعتقاد قد بلغ ذروة الكمال، واعتماد يتأملون به الوصول من المرغوب إلى نقطة الاعتدال، وقد رحل في أيام طلبه إلى مصر القاهرة، وجاور في أزهرها ذي المنقبة الفاخرة، وحضر دروس السادة الأفاضل، إلى أن صار معدوداً من الأوائل، ثم رجع إلى بلده بعد بلوغ آماله، ونجاح مقاصده وأعماله، ولم يزل مستقيماً على حالته، مستزيداً من طاعته وعبادته، إلى أن دعاه داعي الآخرة، إلى الجنة العالية الفاخرة، وذلك سنة ألف ومائتين ونيف وثمانين.
[الشيخ أحمد أبو العباس شهاب الدين البربير الشامي البيروتي]
سهم الأغراض والأماني، وكنانة البيان والمعاني، ذو الأدب الباهي الباهر، والأرب الزاهي الزاهر، والنفس الزكية والأخلاق المرضية، من تستعذب النفوس نثره، وتستطيب نطمه وشعره، فلا ريب أنه العمدة الإمام، والنخبة القطب الهمام، الذي ما رأى أحد مثله في مصر وشام، وكان مولده رحمه الله في ثغر دمياط سنة ستين ومائة وألف حيث كان والده بها يتعاطى التجارة، ولما بلغ رشده، وملك أشده، قرأ على أفاضرض العال
ل عصره العلوم النقلية، والعقلية، غب أن حفظ القرآن المجيد وجملة من