جودة ذهنه وخلو باله وتفرغه، وتلقى الحديث سماعاً وإجازة عن كل من الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد الحليم الفيومي، ثلاثتهم عن الشيخ علي العدوي عن الشيخ محمد عقيله بسنده المشهور، ولما مات الشيخ إبراهيم الحريري تعين المترجم لمشيخة الحنفية، فتقلدها على امتناع منه، فاستمر إلى أن أخرج السيد عمر مكرم من مصر منفياًن وكتبوا في شأنه إلى الدولة ونسبوا إليه ما لم يحصل منه، وطلبوا الشهادة من المترجم، فامتنع فعزلوه من المشيخة، وقلدوها الشيخ حسيناً المنصوري، فلما مات أعيدت إلى المترجم، وذلك في غرة صفر سنة ألف ومائتين وثلاثين، وفي هذه السنة بنى لنفسه مقبرة يدفن فيها بعد موته بجوار الشيخ أبي جعفر الطحاوي، بالقرافة، بجانب مقام الأستاذ المرقوم، وغب ذلك تمرض وتوفي ليلة الجمعة بعد الغروب خامس عشر شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف، وله من المآثر حاشية على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في أربع مجلدات، جمع فيها المواد التي على الكتاب وضم إليها غيرها رحمه الله تعالى.
[الخطيب أحمد البساطي المدني]
هو من رجال اللآلىء، الثمينة، في أعيان شعراء المدينة، قال مؤلفها في ترجمته: جليل قدر نبتت في عراص مجده نبعات المحامد، وفسيح مفاخر لها الوصف الكريم حامد، ولطيف شمائل تزري بلطف الشمول، وظريف خصال تهب كنسيم القبول، ظهر في الأدب باعه، وحسن فيه انطباعه، وبدت له فيه مزايا، كمنت في زوايا خبايا، كم له من قصائد باللطائف معمورة، وأزاهر كلام بقطر البداعة ممطورة، تملأ المسامع سروراً وجذلاً، وتهدي إلى القلوب طرباً متصلاً، فمنه قوله مادحاً لي:
أهدي السلام لعزيز القدر ... من ساد بالفضل أهالي العصر