الأكابر والأعيان، وكان عائلاً ذكياً، وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية، وكان يكتب على الفتاوي على لسان شيخه المذكور ويتحرى الصواب، وعبارته سلسة جيدة، وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين، واقتنى كتباً في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط للمقريزي وأجزاء من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك، ولم يزل حتى ركب يوماً بغلته وذهب لبعض أشغاله، فلما كان بخطة الموسكي قابله خيال فرنساوي يركض قليلاً على فرسه، فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكورة وألقته من على ظهرها إلى الأرض، وصادف حافر فرس الفرنساوي إذنه فرض صماخه، فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت إلى منزله، ومات من ليلته رحمه الله تعالى، سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف من الهجرة النبوية.
[الشيخ مصطفى بن محيي الدين بن مصطفى نجا الشافعي الشاذلي]
شاب نشأ عل كمال الطاعة، وعالم قد اعتزل عن الابتداع والإضاعة، فلا ريب أنه البحر الزاخر والحبر الباهي الباهر، شمس فضائله لم يصبها كسوف، وقمر معارفه لم تلمسه يد خسوف، إن نثر فما أزاهر الرياض غب المزن الهاطل، أو نظم فما جواهر العقود تحلت بها الأجياد العواطل.
ولد ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة تسع وستين ومائتين وألف، وبعد سن التمييز أخذ في تعلم القرآن العزيز، ثم طلب العلم في بيروت البهية، على جماعة من العلماء ذوي مقامات سنية، فاجتهد في الطلب وجد في نوال الأرب، إلى أن فاق أمثاله ونال آماله، ثم توجه إلى مصر بقصد المجاورة في أزهرها الشريف فلم يتيسر له ذلك، بل عاد إلى وظنه بيروت وانكب على الطلب والتحصيل مع الجد والاجتهاد والتفرغ للعبادة