وخمسين ومائتين وألف ودفن في خارج المدينة قريباً من جامع سيف الله سيدنا خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وقد أرخ وفاته الأديب الفاضل السيد عمر المعري بأبيات وبيت التاريخ:
دعيت لساحة الإحسان أرخ ... أمين الحب في عدن تقرر
[الشيخ أمين مفتي الحلة الشافعي العراقي]
خاتمة المحققين في عصره، ونادرة المدققين في مصره، طلب العلوم وهو شاب، والتف هو والكمال في برد والقذال ما شاب، بحث وحقق وناظر ودقق، وتولى إفتاء الحلة سنيناً، وسل من الحق على من حال عنه سيفاً سنيناً، ورق طبعاً وصلب ديناً، حسنت سيرته في إفتائه طمعاً في ثواب الله وإرضائه، وتولى تدريس المدرسة العلوية، فأقر عيون العلوم النقلية والعقلية، ولقي الإجلاء من علماء العراقين، وألف في النحو وغيره ما هو قرة عين، وتناهت إليه رياسة التدريس في بلده، مع زكاء عرقه وأصالة محتده، ولقد قال فيه الشيخ عثمان بن سند:
يا فاضلاً عشق النسيم طباعه ... والفضل لف عليه منه إهابه
كنت امرأً ألف العلوم وما نعي ... بمشيبه المبيض منه شبابه
صفت الشباب عن اقتراف جريمة ... كالسيف صين عن الفلول غرابه
وبالجملة فهو من الذين نزلوا من الإتقان مكاناً علياً، ومن الأتقياء الذين عاد بهم الفضل صبياً، والأسخياء الذين سقوا رياض الآمال بالمكارم والحاملين حوزة الدين بسيوف من السنة صوارم، والأئمة الذين صيروا الصمت حلية، ونزهوا المسامع عن غيبة وفرية، توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين بعد المائتين والألف ولقد رثاه الشيخ عثمان سند بقوله:
سقى قبره للرحمة السحب الوطف ... فما هو إلا الكهف خر به كهف
فيا قلب لا تبرح من الرزء قد قضى ... هزبر هو الإكليل للمجد والطرف