نفعه. وعلى كل حال كان عديم المثال، في العلم والفضل وبقية الخصال. توفي يوم الاثنين سادس جمادى الثانية سنة سبع وثلاثمائة وألف وعمره نحو الثمانين ودفن في مرج الدحداح.
[سليم بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكزبري الشافعي]
مات والده سنة ألف ومائتين وتسع وتسعين، فأراد بعض الناس أن يكون ولده المترجم مكانه في تدريس صحيح الإمام البخاري بعد العصر في رجب وشعبان ورمضان تحت قبة النسر في جامع بني أمية، وإن كان عديم الأهلية، بل كان يقرأ في كتب المبتدئين، لكن أرادوا أنهم يجعلون له همة للطلب والتحصيل، وإنه في أول الأمر يقرأ الدرس رسماً لكيلا تخرج هذه الوظيفة من هذه العائلة، فكان بعض الناس في كل يوم يكتب له الدرس وبعض تقريرات عليه، ويضبطون له بالقلم خوفاً من التحريف، وصار يقرأ هذا الدرس في كل سنة على هذا المنوال، من غير اعتراض عليه ولا سؤال، ولم يزل كذلك إلى أن ظن نفسه أنه فاق، مع أنه ما تقدم عن حاله الأول ولا ارتدى برداء ما يليق بذوي الكمال ولا تحول، بل كان بتعاطى القضايا، التي يعدها أصوله من أعظم الرزايا، فنعم الآباء والجدود، ونعم ما كانوا عليه من الفضل المشهود، فلا ريب أن هذا المترجم، ذا الهيئة السامية والقدر المعظم، قد رمدت به عيون العلم والأدب، وتمنت العمى ولا تراه مستوياً على هذه الرتب. وحينما مات والده، وانتهى من فضل هذا البيت طارفه وتالده، وجلس المترجم تحت قبة النسر، أنشد لسان حال المحل حزناً من غير صبر: