ريحانة الجليس وحانة الأنيس، تفرع من دوحة الرسالة والنبوة، وترعرع في روضة البسالة والفتوة، فجمع بين كرم الأصل والأخلاق، وطلع بدره في سماء المعارف وراق، واقتطف من حدائق الآداب أزهاراً، وارتشف من زلال الكمال وعلا قدراً وفخاراً، وقرن بين النسب والسيادة، وتقلد بالحسب وتحلى بالعلم والزهادة. إن تكلم أفاد وأطرب، وإن كتب أجاد وعما في ضميره أعرب، مع رقة تفوق نسيم الصبا، ولطافة ما سمع بها نجيب إلا وإليها مال وصبا. صرف نقد شبابه في الطلب والتحصيل، وأكمل مواد معلوماته نهاية التكميل، مع ذكاء عجيب وإدراك غريب، وهمة عالية ومروءة سامية، وطبع أشهى من الراح وسجع الضم تثني الملاح. ثم سافر إلى الآستانة ليقضي بها شأنه، وعينت له الدولة العالية معاش الإكرام، وأخرجته من الآستانة إلى الشام، فاختلط بعلمائها وجلس مع فهمائها، وأظهر للبعض بعض ما لديه من بديع المعاني، وأضمر بعض أشياء لا يجوز كشف سترها إلا لمعاني. وكان من دأبه إظهار الانتقاد، وعدم الميل إلى التأويل وإن ما ورد به النص عليه الاعتماد.
وقد ألف رسالة سماها الفقه والتصوف، وهي مشتملة على ثلاث رسائل ينتقد بها على كتب الفقه والأصول والتصوف، وقد زاد في اعتراضه، وحكم على كثير مما قالوه بانتقاضه، وتجاهر بهذا الأمر بين الخاص والعام، ونشر هذه الرسالة بين الأنام. فلما علم الناس بها أنكروها، واحتقروا ما اشتملت عليه وحظروها، وقام لها العلماء على قدم وساق، واتفقوا على تكفير مؤلفها من غير شقاق. ثم ذهبوا أفواجاً إلى الوالي من غير فتور، وأخبروه عن المترجم بما يكدر الخاطر ويسجر الصدور. وقالوا لقد تعدى طوره، وأشاع في الناس جوره، وأذاع الضلال ولم يخش من أمير