ولا وال. فأمر الوالي بالقبض عليه، وإحضاره لديه، وأن يجتمع المفتي والعلماء الكرام، لكي يسألوه عن قصده فيما أشاعه من غير احتشام. فلما سألوه نكل عن الجواب، وأعرض إعراض من لا يخاف ولا يهاب، فأمر الوالي في الحال بجمع الرسائل أجمع، وأرسلاه صحبته إلى المحل الأرفع، فلما وصلوا إلى الدار العلية، أسلموه إلى مدير الضبطية وكان ذلك في شهر شعبان، عام ألف وثلاثمائة وتسعة عشر من هجرة ذي المقام المصان. ثم أن هذه الرسالة وإن كان بعضها صواب، إلا أن الكثير منها لا ينبغي إذاعته بين الأحزاب، بل تدار كؤوس البحث به بين العلماء الخواص، من دون تعرض إلى امتهان وانتقاص. وإن رسالة المترجم مخصوصة بالمساوي والملام، ومقصورة على تخطئة أولئك العلماء الأعلام. فإشاعة هذه الرسالة خطأ وإن كان ظن مؤلفها جميلاً، وطبعها المقتضي لشهرتها بين معترضيها وغيرهم لا يناسب لأنه رتب أمراً جليلاً، والغريب كل الغريب أنه ما نظر إليها ناظر منصف، ولا اطلع عليها إلا متعصب مسرف. فمنهم من حكم بكفره وإبعاده. ومنهم من حكم بزندقته وعناده، ومنهم من أوجب عليه القتل، وإن وجوب ذلك مأخوذ من النقل، من قوله تعالى:" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف " والحكم عليه بالقتل لهذا الدليل لا يخلو عن اعتساف.
والحاصل أن هذه القضية كانت قضية كبرى. ولكن انصرفت بإرسال الوالي له مع بعض رسائله إلى الآستانة لينظر في أمره، فبقي بعد وصوله أشهراً في دائرة الضابطة محجوزاً عليه غير مهان، ثم بعد ذلك شملته العواطف الحميدية، والمراحم العثمانية، فأغرقته في بحر إحسانها، وكسته ثوب عفوها وامتنانها، فأبقت معاشه عليه، وردته إلى بلده مع جميل نظرها إليه،