بل ذكروا أنه لا يصلح لخلافة البكرية، فقال الباشا: وهل موجود في أولادهم خلافه، قالوا نعم وذكروا المترجم فيمن ذكروه، وأنه قد طعن في السن ولكنه فقير من المال، فقال الباشا الفقر لا ينفي النسب، وأمر له بفرس وسرج وعباءة كعادة مركوبهم، ولبس التاج والفرجية والفروة السمور خلعة من الباشا، وأنعم عليه بخمسة أكياس، وجعل له مرتباً معلوماً، فراج أمره واشتهر ذكره، وسار بسيرة حسنة مقرونة بكل كمال، وكانت تتحاكم لديه أرباب الطرائق فيقضي بينهم بلا ميل لأحد بل بما يظهر له من الحق والصواب، ولم يزل على حالته وطريقته مع خضوعه ولين جانبه وحكمه على نفسه إلى أن ضعفت قواه ولازمه المرض وأقعده في الفراش، فعند ذلك طلب سادات مشايخ الأزهر نزوله عن خلافته لولده السيد محمد الكامل الرشيد، فعرضوا القصة على الوالي فحولها لولده المرقوم في حياة والده وطلبه لذلك، وتوفي المترجم في أواخر شهر شوال سنة سبع وعشرين بعد المائتين والألف وصلي عليه في الأزهر ودفن في القرافة بمشهد أسلافه رضي الله عنهم أجمعين.
الشيخ أبو الفتح ابن الشيخ عبد الستار أفندي ابن الشيخ إبراهيم أفندي الأتاسي الحمصي
عالم مصره ونخبة أهل أوانه وعصره، ولد سنة ست عشرة بعد المائتين والألف، وأخذ العلوم عن والده المومى إليه، وكان جل اعتماده في الأخذ عليه، وكان رحمه الله له خلق جميل، وقلب عن الكمالات لا يزيغ ولا يميل، ولطافة مشهورة، وملاحظة لعواقب الأمور مأخوذة عنه ومأثوره، تولى منصب الإفتاء بحمص بعد عزل أخيه الأكبر الشيخ محمد سعيد أفندي وكان له وظيفة التدريس في جامع سيدنا خالد بن الوليد الصحابي الجليل، مع كونه غزير العلم جيد الفهم، يغلب عليه الصواب