وأقول أن ههنا سراً إلهياً لتأييدها، وهو سر بركة الإسلام وسر بركة النبي صلى الله عليه وسلم، وسريان روحانيته لتأييد ملته وأهل دينه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[ذكر استيلاء الفرنسيس على الجزائر]
وفي سنة خمس وأربعين ومائتين وألف، استولت الفرنسيس بقوة جبرية على جزائر الغرب مدعين أن أهلها كانوا يقبضون على مراكبهم التجارية ويربطون عليهم البحر في تلك الجهات ويفتكون بهم، فلما بلغ الباب العالي ذلك أرسل طاهر باشا قبودان باشا إلى الجزائر يتعاطى الصلح بينهم وبين أحمد باشا والي الجزائر، فلما وصل وأراد النزول إلى البر منعته الفرنساوية، فعاد راجعاً إلى القسطنطينية، والجزائر المذكورة كانت في حكم الدولة العلية من حين تملكها السلطان سليمان، فلما طالت المدة صار الولاة الذين فيها يتوارثون الولاية بالتغلب، ويدفعون خراجاً للدولة، ويكون تحت أمر الدولة ظاهراً ومتغلبين باطناً، فلما أحدثت الدولة العساكر السلطانية بالتعاليم الجديدة امتنع والي الجزائر من تعليم عساكرها، ولم يمتثل أمر السلطان في ذلك، فقيل أن السلطان محمود هو الذي سلط عليه الفرنسيس لتأديبه فجاؤوا بجيوش كثيرة وحاصروا الجزائر إلى أن قبضوا على الباشا المتولي عليها وذهبوا به إلى بلادهم، وتملكوا الجزائر وحصنوها بالعساكر، فلما تملكها الفرنسيس لم يرجع تلك الجزائر لحكم الدولة بل استولى عليها وبقي على ذلك إلى عصرنا هذا.