ثم تداخلت دول أوربا في الصلح، وأتموه بشروط، سنة خمس وأربعين ومائتين وألف، ومآل تلك الشروط استقلال الأروام وتنازل الدولة عن إقليم السرب والأفلاق والبغدان لملوك من أهل تلك البلاد، تحت نظارة ملك الروسية، وعن بعض جزائر عند فم نهر طونة، وعن بعض أراض في الأناطول مع غرامة حربية قدرها مائة وعشرة ملايين فرنك، قال بعض مؤرخي الفرنج: وربما استغرب القارئ كيف أن الدولة التي سادت على أغلب ممالك العالم وأوقعت الرعب في قلوب جميعهم، لم تسمر في نموها وتقدمها، حتى التزم سلاطينها إلى أن يرتضوا هذه الشروط، فإذا نظر إلى هذا الأمر بعين خالية عن الغرض يحق الاستغراب من وجه آخر، وهو: كيف أمكن هذه الدولة أن تحتمل هذه الصدمات الشديدة والمقاومات المريعة من أعدائها مع وجود الخلل في داخليتها، بسبب أصحاب البغي والفساد وقلة الأموال، ولم تتزعزع أركانها بل استمرت في سلك الثبات العجيب، ولم تستطع قوة أو سبب آخر أن يثنيها، وإذا ضممنا إلى هذه الأسباب الخلل الذي أوقعه وجاق الانقشارية، وعدم تمام انتظام الترتيب العسكري الجديد، وعدم تمرن الجيوش بفنون الحرب وملاقاة الأهوال، لربما حق العجب كيف لم تنقرض هذه الدولة أصلاً، واستطاعت أن تناضل إلى هذه الدرجة، مستهينة بكل الموانع التي تعرضت لها، فهذا أعظم برهان على عظمها وسطوتها، انتهى كلامه.