العلية، فسلك على يديه السلوك التام، إلى أن رآه حضرة الأستاذ بلغ المرام، أقامه عنه خليفةً في إعطاء الطريق، وأذن له بإنشاء الحضرة الشريفة مع كل مريد صدوق بالعهد الوثيق، فكان لعمري نور حدقة الفضلاء، ونور حديقة الكملاء، يشار إليه بالطاعة والعبادة، ويفتخر به التقوى والفضل والزهادة وكان في الاستقامة على جانب عظيم، وفي أمر السلوك على حال جسيم، إلى أن توفي سنة ألف ومائتين ونيف وأربعين.
[خالد بك القاضي العام بدمشق الشام]
أقسم بالقمر إذا اتسق، وحل في دارته آمناً من كدر السحب والشفق، لهو الإنسان في حدقة الزمان، واللسان الذي صين عن زلة في البيان، والكامل الذي نظمه الدهر في عقود حلاه، والفاضل الذي ارتقى على فلك الفضائل علاه. دخل الشام قاضياً في أواخر رجب المحرم سنة اربع وثلاثمائة وألف، فعامل الناس باللطف والإكرام، وصار له جلالة ومحبة في قلوب الخاص والعام، وسار في الناس بسيرة حسنة، وكانت جميع معاملاته مستحسنة، وكان مصوناً عن مد يده إلى شيء من المال، عفيفاً تقياً نقياً حسن الخصال، ولم يزل ينهج منهج الطاعة والعبادة، حتى دعته المنية إلى دار السعادة، فلبى الدعوة مطهراً من كل أموال الناس بالباطل تطهيراً، قد تواترت الشهادة له بأنه لم يأخذ من أحد قليلاً ولا كثيراً، وقد اجتمعت به غير مرة، فلم أجد ما يطعن بكماله مقدار ذرة، ولما مات ما وجد عنده ما يكفيه، لتجهيزه وتكفينه ودفنه بقبر يواريه، حتى جمع له بعض أحبابه مقداراً من الدراهم صرفوه عليه إلى أن واروه في ترابه. وكان ذلك يوم الثلاثاء عاشر محرم الحرام سنة خمس وثلاثمائة وألف، وكان عمره نحو سبعين سنة، ودفن في مقبرة باب الصغير في قبر والده رحمهما الله تعالى.