الأديب الناظم الناثر، ذو الفضائل والمآثر، من رقى أوج المعارف، وانتقى برج العوارف، وخاض بحور العلوم، ونزه صائب فكره في رياض المنطوق والمفهوم، فلا ريب أنه كامل المقاصد، جيد القصائد، شعره المنسجم السهل، يزري بشعر الأخطل وابن سهل، ونثره البليغ البديع، يحاكي مقامات الحريري والبديع، وهو ثقة فيما يؤخذ عنه من النقول، وحجة في علمي المعقول والمنقول، كثير المعارف والفنون، غزير اللطائف قليل المجون، لم يتخذ الشعر حرفة، ولا سكن من بيوته غرفة، بناء على أنه جل صناعته، أو أجل متاعه وبضاعته، وإنما دعاه إليه حب الأدب، ولواه إليه ما اشتمل عليه من طوية العرب، وكان رحمه الله، وأحسن مقره ومثواه، غاية في الزهد والديانة، آية في العفة والأمانة، كثير الود للإخوان، مهيباً بين الأحبة والأقران، لا تمل وإن طالت مجالسته، ولا تعل وإن زادت مفاكهته، لما كانت تشتمل على الفوائد، العائدة على محبيه بالصلات والعوائد، وكانت له صدقات وفية، مستورة عن الإظهار خفية. وقصارى الكلام، في هذا الفرد الهمام، إنه كان حسنة من حسنات عصره، وجوهرة يتيمة في جيد مصره.
ولد بمصر سنة ألف ومائتين وأربع، وتربى في حجر والده على الرحب والسعة، وإن أصوله من المغرب من ذرية ولي ذي مقام روحاني، يعرف بسيدي عبد الله الغزواني، وإن علامة من كان من ذرية هذا الولي المعروف بالهدى والصلاح، أنه إذا جاء لزيارته أحد يفتح له الباب من غير مفتاح، وإن بعض ذرية هذا الولي انتقل إلى مدينة سيدنا الخليل عليه صلاة المنان، وتناسل بالمدينة المذكورة واشتهرت تسمية نسله بالمغاربة، وهم معروفون بذلك هنالك إلى الآن، ثم إن والد المترجم انتقل إلى مصر القاهرة،