وأقام بها وكان ذا تجارة وافرة، وبها رزق بصاحب الترجمة المذكورة، صاحب الشمائل المأثورة، فلما أن بلغ أشده، وجه عنان همته للطلب بكل إقبال وشدة، فقرأ على جملة من العلماء، والسادة الفضلاء، منهم العلامة الشيخ حسن الأبطح، والفهامة شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار ذو الأرج الأفيح، والمرحوم الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الإسلام، والشيخ إبراهيم السقا عمدة الأنام، وغيرهم من مشايخ العصر، المتصدرين للإفادة في أزهر مصر، وكان شافعي المذهب، خلوتي الطريقة، قد أخذها عن الأستاذ معدن السلوك والحقيقة، العارف بالله تعالى صاحب الإمداد، السيد الشيخ أحمد الصاوي أبي الإرشاد. ومن تآليفه المفيدة، وتصانيفه العديدة، شرحه على منظومة شيخه الشيخ حسن العطار في علم النحو، وقد أجاد به أحسن إجادة ونحا ألطف نحو، وقد قال في شرحه عليها، موجهاً جميل مدحه إليها:
منظومة الفاضل العطار قد عبقت ... منها القلوب بريا نكهة عطرة
لو لم تكن روضة في النحو يانعة ... لما جنى الفكر منها هذه الثمرة
في ظلمة الجهل لو أبدت محاسنها ... والليل داج أرانا وجهها قمره
قالوا جواهر لفظ قلت لا عجب ... بحر البلاغة قد أهدى لنا درره
ثم قال: ومن شغفي بتلك العرائس الخواطر، حملتني بواعث الخواطر، على أن أكتب عليها شرحاً، وأبني على دعائمها صرحا، وأشد بنطاق البلاغة لها كشحا، فوقفت على أقدامي، متردداً في تأخري وإقدامي. إلى أن قال بعد كلام طويل، ليس له في البلاغة مثيل: فشددت نطاق العزم، وتقلدت بصارم الحزم، وقومت سنان يراعي، وبسطت