وذهب إلى الحمام وهنأه الناس بالعافية، وذهب إلى جيرانه يتحدث عندهم كعادته، فخرج ليلة الجمعة الثاني من شهر صفر ودخل عند عثمان بن سلامة السناري، فتحدث عندهم حصة من الليل، ثم قام ذاهباً إلى داره ماشياً على أقدامه حتى وصل إلى داره ومضى نحو ساعة، وقد جامع زوجته واضطجع فحركوه فإذا هو ميت فجهزوه وصلي عليه في الأزهر ودفن عند الشيخ الحفني بجانب قبره، فسبحان الحي الذي لا يموت، وكان عمره نحواً من خمس وسبعين سنة.
وحاصل أمر المرحوم المترجم أنه كان من فحول العلماء يدرس الكتب الصعاب في المعقول والمنقول، بالتحقيق والتدقيق، وانتفع عليه الكثير من الطلبة إلى أن صاروا مدرسين مميزين على أقرانهم من أهل العصر، ولو أنه استمر على طريقة أهل العلم السابقين وبعض اللاحقين، ولم يشتغل بالانهماك على الدنيا وكثرة المداخلة مع الأكابر وذوي الحكومة، لكان نادرة عصره ونقطة مدار مصره، ولكن ذلك أداه إلى قطع الاشتغال، حتى أنه إذا ابتدأ كتاباً كان في الغالب لا يتمه، ولا ألف كتاباً ولا رسالة في فن من الفنون مع كمال أهليته لذلك. ثبت الله قلوبنا على التقوى وحفظنا من كل تقصير في السر والنجوى، وعصمنا والمسلمين مما يضر ويشين.
الشيخ محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز المالكي الأزهري الشهير بالأمير الكبير
العالم العلامة الفاضل الفهامة، صاحب التحقيقات الرائقة والتأليفات الفائقة، شيخ شيوخ أهل العلم وصدر صدور أهل الفهم، المتفنن في العلوم كلها، نقليها وعقليها وأدبيها. إليه انتهت الرياسة في العلوم بالديار