كالشيخ العدوي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ الدردير والبيلي والجمل والخرشي والشيخ عبد الرحمن المقري والشرقاوي وأمثالهم من القادة الفخام، واجتهد في التحصيل وجد في منهج التوصيل، ولازم مجالس الذكر بعد وفاة الشيخ الحفني خليفة الدردير المكين، وتصدر للتدريس سنة ألف ومائة وتسعين، ولما مات الشيخ محمد الهلباوي سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه في الأزهر، وقرأ شرح الألفية لابن عقيل وغيره من العلم الأنور، ونما أمره واشتهر ذكره، وبعد صيته في الآفاق وطار قدره وفاق، ولم يزل أمره ينمو واسمه يسمو، مع حسن السمت ووجاهة الطلعة، وجمال الهيئة وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان وسرعة الجواب، واستحضار الصواب في ترداد الخطاب، ومسايرة الأصحاب، وصاهر الشيخ محمد الحريري على ابنته، وأقبلت عليه الدنيا وتداخل في الأكابر ونال منهم حظاً وافراً بحسن معاشرته، وعذوبة ألفاظه وتنميق كلماته، ومعاملة كل إنسان بما يليق به.
ولما وقع الطاعون في مصر سنة خمس ومائتين وألف خصه إسماعيل بك كتخدا حسن باشا الجزائرلي بما أحبه مما انحل عن الموتى من إقطاعات ورزق وغيرهما، فزادت ثروته وتمن شهرته، ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر واستولت عليها خافتهم الناس وهرب كثير من العلماء والأعيان، فكان للمترجم عندهم قدر عظيم وجاه جسيم، فلا تهان جماعته ولا ترد شفاعته، ولا زالت تعلو شهرته في مصر حتى صار يلقب عند الأجانب وعند الأهالي بكاتم السر، وجعلوه رئيس الديوان، إذا حكم قابله الجميع بالرضى والأذعان، وكان يخدمه كبراء الناس وعظماؤهم، ويلتجئ إليه أعيانهم وعلماؤهم، وكان يؤمن من أراد ويرده إلى الوطن والبلاد، فلا يعارضه أحد ولا يصل إلى من احتمى به هم ولا نكد، فحسن صنعه وعم نفعه.
ولما انتقل الحكم إلى العثمانيين، بقي على حاله وقدره المكين، ولما كان آخر المحرم سنة ثلاثين ومائتين وألف توعك المترجم أياماً، ثم عوفي