بتاريخه المذكور، لأنه انتقل المترجم بعد ذلك لأمور أوجبت رحلته منها إلى حلب الشهباء، كما ذكر لي ذلك في مراسلاته في سنة خمس ومائتين وألف، وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب، وهصرت يد الردي يانع غصنه الرطيب، فاحتضر وأحضر بأمر الملك المقتدر، لا زال جدثه روضة من رياض الجنة، ولا برح مجرى الجداول الرحمة الرضوان. وذلك في أواخر صفر الخير سنة ست ومائتين وألف، مه هجرة مظهر الرحمة واللطف.
[محمد أبو عبد الله بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي المالكي]
الإمام الفقيه المحدث البارع المتبحر عالم المغرب قال العلامة الجبرتي ولد بفاس سنة ثمان وعشرين ومائة وألف، وأخذ عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارح الاكتفاء والشفاء ولامية الزقاق وغيرها، والشهاب أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، قرأ عليهما الموطأ وغيره، والشهاب أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي، قرأ عليه المنطق والكلام والبيان والأصول والتفسير والحديث، وكان في أكثرها هو القارئ بين يديه مدة مديدة، وأذن له في إقراء الصحيح في حياته فألقى دروساً بين يديه، وكان يوده ويسر به ويقدمه على سائر الطلبة. ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة خمس ومائة وألف بالطاعون، تزاحم ذوو الجاهات فيمن يلحده في قبره، فكان الشيخ هو المتولي لذلك دون غيره، وتلك كرامة له، ورضوا بذلك، قال: وكلمته يوماً في شأن الحج متمنياً له ذلك فقال لي مشيراً إلى شيخه عبد العزيز الدباغ أن الناس قالوا لي جعلناك في حق فلا تخرج من هذه البلدة، وأنت ستحج وأعطيك ألف دينار وألف مثقال إن شاء الله تعالى، قال: ولم تكن نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر بالبال، ومن جملة مشايخ المترجم الفقيه المتواضع صاحب التآليف أبو عبد الله