العربية والتركية والفارسية، ونظره في الأمور دقيق، مقصود في الاستشارة لكل بعيد أو قريب أو عدو أو صديق.
وفي سنة ثلاثمائة واثنتين بعد الألف جاء إلى حلب جميل باشا والياً عليها، وكان له شدة عظيمة على أهل الرآسة في حلب وما يتبعها من بقية الولاية، فاضطر المترجم أن يخرج من محله وأن يخرج من الولاية فرحل إلى دمشق، واتصل برؤوسها وولاتها وأكابرها وذواتها، وله حاضرة عجيبة، وحافظة غريبة، فكثيراً ما كان يستشهد تارة في العربية وتارة في التركية وتارة في الفارسية، بأبيات لطيفة رقيقة ذات معان أنيقة، وله حكايات ونوادر تشهد له أنه في الأدب له المقام النادر، ومعرفته في الشطرنج حظها وافر، فكان كثيراً ما يلعب به مع الحكام والأكابر، وكانت لي معه الصحبة الوافرة، والمحبة المتكاثرة، والمباحثة والمذاكرة والمسامرة والمحاضرة، وقد أخبرني بأنه ولد في الشام حين كان أبوه بها مستقيما، ثم عاد به أبوه إلى وطنه المذكور، ثم إنه لا زال في الشام يعلو مقامه وينمو احترامه، إلى أن وقع بينه وبين المشير حسين فوزي باشا بعض منافرة، وكان قد عزل جميل باشا من حلب فرجع إلى وطنه، وذلك عام ألف وثلاثمائة وخمسة، أطال الله بقاءه وحرسه بمنه وأبقاه.
[الشيخ يحيى بن علي بن محمد الشوكاني]
العالم الذي فاق أهل زمانه وترقى في فضله على أهل أوانه، ولحق من سلف وسبق من خلف، ولد في رجب سنة ألف ومائة وتسعين، قرأ على جملة من المشايخ المتصدرين والأفاضل الجهابذة المتصدين، كالعلامة محمد