ستة أشهر هلالية، فعاد إلى حاله وكماله بهمة قوية. ثم في سنة تسع وثمانين في شهر رجب، وقع بين دولة فرنسا وألمانيا للقتال أعظم سبب، فانتشبت بينهما نار الحرب، وتقابلت الدولتان بالسفك والطعن والضرب، وآل الأمر في مدة أربعة أشهر إلى انتصار ألمانيا على الدولة الفرنساوية، وتكبدت فرنسا خسائر ومشقات قوية، فخطر في بال المترجم أن الحرب يطول بين الدولتين، فينتهز الفرصة لتخليص وطنه الجزائر من يد فرنسا ويزيل عن الوطن الكدر والغين، فتوجه بقصد الزيارة في الديار المصرية، فحينما وصل إلى مدينة إسكندرية، توجه منها إلى تونس الغرب ولم يعلم أحد نيته الخفية، فأكرمه حاكمها صادق باشا وشاع ذكره في ذلك القطر عرضاً وطولاً، وأنزله ذلك الحاكم عنده وأهداه نيشاناً من الرتبة الأولى، فقصد المترجم التوجه منها إلى الجزائر، فلم يتمكن من ذلك نظراً لما ناله من الاشتهار، الذي ملأ تلك النواحي والأقطار، فحرر لرؤساء الجزائر نحو المائتي كتاب، لكي يتهيأوا لمحاربة فرنسا عند قدومه المستطاب، وأرسلها من تونس مع الرسل الخفية، ثم ودع الباشا مظهراً له قصد الرجوع إلى الديار الدمشقية، فتوجه إلى مالطه، وحين وصوله إليها أخفى نفسه وتنكر، ولبس لباس الدراويش وظهر في غير ذلك المظهر، وتوجه إلى طرابلس الغرب، فحينما وصلها أرسل ثقله مع بعض الخدم في البحر إلى مدينة قابس، وهو قد توجه براً متكبداً لمشقات لم يكن على مثلها بممارس، إلى أن وصل لبلاد الجريد، ومكانها عن حدود الجزائر غير بعيد، فهناك أظهر حاله للناس، ولم يخش على نفسه من بأس، ومن عجيب ما اتفق له أن شخصاً من المنصورة " قرية من قرى جريد " كان مرافقاً له من طرابلس متوجهاً إلى قريته ومحل إقامته، فكان يسأل رفقاه المترجم عنه، فيقولون له رجل من أشراف الجزائر كان في الحجاز، فيقول لهم هذا ابن ملك أو أمير حقيقة لا أقصد المجاز، ولم يمكنهم إقناعه بحال،