إلى أن وصلوا إلى قريته، فقال لهم إن عدم نزولكم عندي من المحال، فنزلوا عنده فما استقر به المجلس حتى جاء للسلام عليه حاكم البلد، وبعده نحو الأربعمائة فارس من ذوي الشجاعة والجلد، وكان قد أرسل لهم يخبرهم بوصوله، فسلموا عليه وعاهدوه على القيام معه حسب مأموله، ثم أنه سأل عن رفيقه صاحب الدار، فقال له رجل من أقاربيه أنه يقدم لحضرتك عن عدم حضوره جميل الاعتذار، حيث أنه من نحو سنتين قتل شخصاً وفر لطرابلس، والآن قد رجع خفية لرؤية عائلته ثم يرجع، فلما رأى حاكم البلد والخيل معه ظن أنهم حضروا للقبض عليه ففر منهم، فعند ذلك تذاكر المترجم مع حاكم البلد وطلب منه الصفح عنه حيث أنهم ضيوفه، فأجابه الحاكم بأنه إن يسمح عنه أهل المفتول فأنا أسمح عن حق الحكومة، فأحضروهم وكلموهم أن يسمحوا على الدية، فسمحوا فقال الحال بلا دية نظراً إلى خاطر المترجم، ثم فتشوا على الرجل فبعد الجهد وجدوه مختبئاً في مكان، فأحضروه عند الحاكم وأخبره الحكم بأن أهل المقتول قد سمحوا عنه، وكذلك هو نظراً لخاطر المترجم، فعندما قال الرجل لأتباع المترجم كيف رأيتم فراستي في الدرويش، مع كونكم أجهدتم أنفسكم في إقناعي فما قدرتم، وقد أشار إلى ذلك في قصيدة طويلة أرسلها إلى أخيه سعادة محمد باشا:
طوراً تراني مختف متنكراً ... كيما أرى من ماء قصدي أستقى
والبدر لا يخفيه جنح دجنة ... والمسك لا يخفى وإن لم يفتق
وسأورد بعض هذه القصيدة عند ذكر نظمه، ولنرجع إلى ذكر بعض ما وقع له في الجزائر، فانه لما وصلت كتبه إلى رؤساء الجزائر من تونس، استبشروا ولم يعد لهم صبر لانتظار قدومه، فتراسلوا وتؤامروا وأظهروا العصاوة على دولة فرنسا، وانتشب القتال بينهم في كل مكان، فلما وصل إليهم بايعوه على السمع والطاعة، ووقعت بينه وبين الجيوش