الفرنساوية مقاتلات عديدة، ما عدا التي وقعت بأمره في عدة أماكن ولم يحضرها، وقد قتل ألوف من الفرنساوية، ولكن حيث أن الباري لم يقدر خلاص الجزائر من اليد الفرنساوية تصالحوا هو وألمانيا، وأرسلوا في الحال جيوشاً جرارة لمحاربته، فتيقن عند ذلك بعدم اقتداره على مقاومتهم، والتمست دولة فرانسا من حضرة والده إرسال أمر ونصيحة له، فعندما رجع إلى حدود تونس بمن معه، ثم بقيت أهالي الجزائر في تونس، ورجع هو إلى الشام، وبقي في ثغر صيدا نحو السنة، ثم رجع إلى دمشق عند والده، وقد سألته بعد مدة معاتباً له عن عدم إخباره لي بما عزم عليه من السفر إلى الجزائر، وما ترتب على ذلك، فاعتذر لي بأن هذا من الأمور المكتومة التي لا يمكن إبداؤها لأحد، وأخبرني أيضاً حفظه الله أنه لما خطر له هذا الخاطر، ورأى أن أسباب اغتنام الفرصة متسهل بواسطة الخلاف الذي وقع بين فرانسا وألمانيا، عظم عليه الأمر واشتد عليه الخطر، وعلم أن دون ذلك مسالك جسيمة ومهالك عظيمة، وشديد مشقات عميمة، تباطأت عزمته وفترت همته، فجرى على فكره نظم هذه الأبيات، فلما أتمها وقرأها عادت له همته أعظم من الأول وهي:
على ماذا الخمول وأنت قرم ... مطاع في العشائر لا تمارى
وأنك لا تنال المجد حتى ... تقود عرمرماً يملا القفارا
تعوض من شدا الشادي صهيلاً ... وعن طيب الغوالي اعتض غبارا
وأطيب من عناق الخود حقاً ... عناق مدرع يورى الشرارا
فقومي سادة عرب كرام ... بغير الحرب ما نالوا فخارا
ثم أنه في سنة ست وتسعين، أنعم عليه حضرة مولانا السلطان الغازي عبد الحميد خان برتبة مير ميران الرفيعة، ثم في سنة ثلاثمائة وثلاث، رقاه إلى رتبة روملي بيكلر بيكي، وكان قد عين له بعد انتقال والده