للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمكة قرار، ولم يمكنه الامتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل ما دب ودرج، فتوجه إلى الروم ومكث بها أياماً حتى حصل لنفسه شيئاً من معلوم آخر، فأتى إلى مكة، وصار يطلع على الكرسي ويتكلم على عادته في الحط على أشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى أتباعهم، وذكر مساويهم وظلمهم، فأمره شريف مكة بالخروج منها إلى المدينة فخرج إليها، وقد حنق غيظاً على الشريف، فلما استقر بالمدينة ضم إليه بعض الأوباش ومن ليس له ميل إلى الشريف، فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهراً، وغره مرافقة أولئك معه وأن الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة، فتعصبوا وزادوا نفوراً، وأخرجوا الوزير الذي هو من طرف الشريف، وكاتبوا إلى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقاً، وأنه لا يحكم فيهم أبداً، وإنما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط، وأرسلوا بالمعروض مفتي المدينة إلى الدولة العلية، فكتب لهم على مقتضى طلبهم خطاباً إلى أمير الحاج الشامي وإلى الشريف، ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه الحادثة وعرف أن أصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم، واستعد للقاء أمير الحاج بعسكر جرار على خلاف عادته، ورام مناوءته إن برز منه شيء خلاف ما عهد منه، فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده، وأنكر أن يكون عنده شيء من الأوامر في حقه، ومضى لنسكه، حتى إذا رجع إلى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل يده من التندم والحسرة، وذهب إلى الشام. ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكراً على العرب فقاتلوه، وصبر معهم حتى ظفر بهم، ودخل المدينة فجأة، ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما وسعهم إلا أنهم خرجوا للقائه، فآنسهم بأنه ما أتى إلا لزيارة جده عليه الصلاة والسلام، وليس له غرض سواه. فاطمأنوا بقوله، وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده، حتى دخل من باب السلام، وتملى من الزيارة، وأقبلت عليه

<<  <   >  >>