فيه من الاشتغال بالعلم، فقال القيام بالأمرين ممكن، وليس المراد إلا القيام بفصل ما يصل من الخصوات إلى ديوانه العالي في يومي اجتماع الحكام فيه، فقلت له ستقع مني الاستخارة لله والاستشارة لأهل الفضل، وما اختاره الله فالخير فيه ففارقته، وما زلت متردداً نحو أسبوع، ولكنه وفد إلي كل من ينتسب إلى العلم في مدينة صنعاء، وأجمعوا على أن الإجابة واجبة، وإنهم يخشون أن يدخل في هذا المنصب الذي إليه مرجع الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية من لا يوثق بدينه وعلمه وأكثروا من هذا، ووجهوا إلي الرسائل المطولة بطلب القبول، فقبلت مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه، ولم يقع التوقف على مباشرة الخصومات في اليومين فقط، بل استغرقت الدعاوى جميع الأوقات إلا قليلاً، قد أفرغها للنظر في شيء من كتب العلم أو لشيء من التحصيل في تتميم ما كنت شرعت فيه، واشتغل الذهن شغلاً كبيراً وتكدر الخاطر كدراً كثيراً، ولا سيما وأنا لا أعرف الأمور الاصطلاحية في هذا الشأن، ولم أحضر عند قاض في خصومة ولا في غيرها، بل كنت لا أحضر في مجالس الخصومة عند والدي رحمه الله تعالى من أيام الصغر فما بعدها، ولكن شرح الله الصدور وأعان على القيام بحق الأمور. ثم إن الخليفة حفظه الله تعالى ما ترك شيئاً من التعظيم والإجلال إلا وفعله، وكان يجلني إجلالاً عظيماً، وينفذ حكم الشريعة على قرابته وأعوانه بل على نفسه. وفي رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين وألف توفي السلطان المذكور بدار الإسعاد، وقمت إماماً عليه بالناس، ووقعت البيعة لولده مولانا الإمام المتوكل على الله أحمد بن المنصور في الليلة التي مات فيها الإمام، وكنت أول من بايعه، ثم كنت المتولي لأخذ البيعة له من إخوته وأعمامه وسائر أقاربه وجميع أعيان العلماء والرؤساء، وكانت البيعة منهم في أوقات،