ويحترمهم ويتعلم منهم العلم، ثم أعتقه وأنزله حاكماً في بعض ضياعه، ثم رقاه إلى أن عمله رئيساً في باب المتفرقة، وتوجه أميراً على طائفته صحبة الخزينة إلى الأبواب السلطانية مع شهامة وصرامة، ثم عاد إلى مصر، وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيراً، وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع. وأتقن في رمي النشاب إلى أن صار أستاذاً فيه وانفرد في وقته في صنعة القسي والسهام والدهانات، فلم يلحقه أهل عصره.
ثم أن المترجم حصل له ضرر بعينيه فعالجهما كثيراً فلم يفد فصبر واحتسب، ومع ذلك فيرد عليه أهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسي تركيباً وشداً، ولقد أتاه وهو في هذه المضرة رجل من أهل الروم اسمه حسن فأنزله في بيته وعلمه هذه الصنعة، حتى فاق في زمن قليل أقرانه، وسلم له أهل عصره، وحينئذ طلب منه أن يأذن له فيها، واجتمع أهل الصنعة في منزله لحضور هذا المجلس، فأرسل إلى السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس، وطلب منه أن يكتب له شيئاً يناسب المجلس، فكتب عن لسانه ما نصه: الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وهدى بفيض فضله إلى الطريق الأقوم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأكرم، الناصر لدين الحق بالسيف والسنان المقوم، وعلى آله وصحبه ما رمى مجاهد في سبيل الله سهماً وإلى الجنة تقدم. أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى علي بن عبد الله مولى المرحوم أحمد كتخدا صالح غفر الله ذنوبه وستر عيوبه، ورحم من مضى من سلفه وجعل البركة في عقبه وخلفه. اعلموا إخواني في الله ورسوله أن كل صنعة لها شيخ وأستاذ وقالوا صنعة بلا أستاذ يدخلها الفساد، وإن صنعة القوس والنشاب بين الأقران والأصحاب على ممر الأحقاب شريفة،