والسادة العظام، إلى أن صار من أفراد ذوي التحقيق على التحقيق، وساد أرباب التدقيق بنظره الدقيق. مد للرياسة كفاً وساعداً، فصادف الدهر له على مرامه مساعداً، وتبرجت له هيفاء المعالي والمعارف، من بروج مجده العريق بكل فضل تالد وطارف، فهو الطود الشهير والعمدة الكبير، عين أعيان دمشق الشام ونخبة ذوي المقامات العالية والاحترام.
وفي سنة ألف ومائتين وست عشرين وجه عليه إفتاء الشافعية بدمشق والتدريس في المدرسة الشامية مكان أسلافه، وشرح منظومة جده البدر الغزي في النحو، وسماها " الكواكب الدرية شرح الدرة المضية " وبلغ من الفضل والجاه ما تقدم به في دمشق على من سواه. وصار عضواً مقدماً بمجلس شورى الشام نيفاً وعشرين سنة بدون انفصال، واشتهر بالآفاق وانعقد على جلالته الاتفاق، ونبل قدره وارتفع صيته وذكره. وكان مفرداً بالذكاء والمعارف وموصوفاً بالشمائل العالية واللطائف، مهاباً جسوراً لا يهاب حاكماً ولا وزيراً. دخلت مرة مع والدي إلى المجلس الكبير وكنت غلاماً صغيراً، فوضعني المترجم بجانبه وجعل لي قدراً كبيراً، وكان المجلس قد غص بأهله واجتمع فيه أعيانه من فرعه إلى أصله، ولم يكن في البلدة مجلس سواه، يجلس فيه الوالي وحاكم الشرع والمفتي وسائر الأعيان ذوي القدر والجاه، فبعد أن جلسنا قليلاً وجدت أوراقاً كثيرة قد أهملت في زوايا الإهمال ولم ينظر إليها بحال، فقلت له سراً سيدي ما هذه الأوراق المعرض عنها أنظرتم بها وتم الشغل منها، فرفع صوته وقال: