الفقر والبربرية والجهل، بل حتى أن الأمراض الوبائية من الطاعون قد تمكنت فيها وصارت عادية تفني من الناس سنوياً خلقاً كثيراً، حتى قل العمران ولم يبق من مآثر تقدم المصريين سوى الاسم في التواريخ. نعم وجد للعلوم الشرعية بقية آثار في الجامع الأزهر من العلماء، وذلك كله لما مر عليها من تقلبات الدهر والظلم والجور والاستبداد والحروب في الأيام الخالية.
فشمر عن ساعد الجد ووافقه البخت وفتح لمصر عصراً جديداً، فنظم فيها جيشاً نظامياً من أهلها، ورتب الأداء على الأهالي على قانون غير مجحف، وألزمهم بتعمير الأرض وفتح الترع وإنشاء المدارس العلمية للعلوم الرياضية والحربية، وأحضر المعلمين من أروبا وأحيا المارستانات وألزم الأهالي بالنظافة، وتوسيع الطرقات والبناءات، وأرسل التلامذة إلى أروبا لتعلم الفنون، وأحيا نمو العلوم الشرعية، وسهل أبواب التجارة، وأنشأ معامل السلاح والسفن، وترجمت الكتب النافعة في فنون شتى من لغات شتى إلى العربية، فنشأ في مصر جيل جديد وعصر جديد، بسطت فيه طرق العمران والتمدن والقوة في مدة يسيرة، فافتتح النوبة وسنار واستولى على الشام والحجاز، وافْتَكّهُ من الوهابي، بل امتد بالاستيلاء إلى قرب الآستانة في الأناطولي، وخشيت شوكته من عصيانه على الدولة العثمانية، فتعصب الانكليز إلى الدولة في الظاهر لتوطيد أركانها، وفي الباطن خشية من إنشاء دولة إسلامية شابة ذات قوة مثل تلك ومركزها مصر،