فشتت شملهم وفرق جمعهم، ولم تزل العساكر المصرية فارة من عدوها حتى دخلت مصر، مع وقت العصر، ولما دخل نصوح باشا صار يقول للعامة اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعج الناس وهاجوا، وخرجوا من عقولهم وماجوا، ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشام وساروا إلى حارات النصارى يقتلون وينهبون ويأسرون فتحزبت النصارى ولا يزالون يتقاتلون إلى آخر النهار، وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس، فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع والكرات على البلد من القلاع، ووقع الناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والخوف ما لا يوصف، وأحاط الفرنساويون بالبلد إحاطة السوار بالمعصم، وأكثروا من الرمي بالمدافع على البيوت من القلاع، وعدمت الأقوات، وانسدت عن الجلب الطرقات، وهلكت البهائم، وليس للناس من مجير ولا راحم، ثم هجموا في ليلة شاتية على البلد من كل ناحية، فقتلوا الرجال، وسبوا الحريم ونهبوا الأموال، وأحرقوا البلاد، وأذاقوا الناس كؤوس الإهانة فوق المراد، ووضعوا أيديهم على البيوت والحوانيت وسائر الأموال، وملكوا النساء والصبيان والرجال.
وفي أوائل ذي الحجة سنة خمس عشرة ومائتين وألف خرج العثمانيون من مصر، واستولى الفرنساويون على سائر آلاتهم ومدافعهم وعددهم وتم لهم أمر الاستيلاء على مصر، وأمنوا الناس، ثم إنه قرر على أهل مصر يدفعون عاجلاً تأديباً لهم زيادة على ما وقع منه عشرة آلاف ألف ألف فرنك، وسافر السر عكسر وأقام مكانه يعقوب القبطي يفعل بالمسلمين ما يشاء، ودارت العساكر للتحصيل، فباعت الناس أمتعتها الجليل منها