الأزهر بعد الاستئذان وطاف في الأمصار إلى أن وصل إلى حلب ذات القدر والاعتبار، فوجد الناس في قيل وقال وجدال كاد أن يوقع أصحابه في حيز الوبال، فقال ما هذا الأمر الذي دهى ودهم فقالوا اختلفنا في حديث ذكره صاحب المختار وليس له غيرك من حكم، فإن صاحب المختار قد ذكر في مادة عكك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال طوبى لمن رأى عكّا، وبعض الناس قد سلمه اعتماداً على ناقله وبعض الناس قد رده ولم يعتمد على مثبته وقائله. وقال بأنه ليس إسماعيل كلام الذات المحمدية، ولا عليه طلاوة الأحاديث النبوية، فاحكم بيننا بالإنصاف فورودك علينا من كمال الإسعاف، فقال لهم دعوني الآن وسأكتب رسالة في هذا المرام، تزيل عنكم بعون الله الشكوك في هذا الحديث وأمثاله والأوهام. وقد ألف لهم رسالة قاطعة بأن هذا الحديث ليس من كلام النبوة، بل هو كذب مختلق مصنوع، وقد ذكرت هذه الرسالة بتمامها آنفاً لداعية دعتني إلى ذلك، وهي أن كثيراً من الجهال وبعض من يدعي الطلب، قد تداولوا هذا الحديث وهو طوبى لمن رأى عكة، وذلك سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، وحكموا بصحته اعتماداً على ناقله وهو محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي في كتابه مختار الصحاح، مع أن ذكر المرقوم لذلك لا يدل على أنه حديث لأنه نقل من هو أعلم منه وأفضل، أحاديث كثيرة حكم عليها أهل الإسناد أنها موضوعة، لغايات قصدوها فأرادوا ترويجها فوضعوا لها أحاديث مكذوبة.
قال ابن الجوزي ما أحسن قول القائل إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ومعنى مناقضة الأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة.
ثم إن الواضعين للحديث أقسام بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع، أعظمهم ضرراً قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة أي احتساباً للأجر عند الله في زعمهم الفاسد، فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم وركوناً إليهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، ولهذا قال يحيى القطان ما رأيت الكذب في أحد