الأمر، لجواز كذبه في الإقرار. ويعرف الوضع أيضاً بغير ذلك مما هو مذكور في كتب مصطلح الحديث، كركاكة اللفظ أو المعنى، قال الربيع بن خيثم: إن للحديث ضوء كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره، وقال ابن الجوزي: الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب، قال الترمنيني:
والكذب المختلق الموضوع ... على النبي فذلك الموضوع
أي المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم فهو مختلق ومبتكر من عند واضعه فهو موضوع ومحطوط المنزلة فلا معول عليه بالمرة لأنه من جملة الأكاذيب، ولا تجوز روايته إلا لتعريف حاله، لا بنحو قال النبي صلى الله عليه وسلم، بل بنحو: هذا الكلام موضوع وليس بحديث، والكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر ولو في ترغيب أو ترهيب، ويعرف الوضع بإقرار أو بركاكة.
وإنما أطلت الكلام في هذا المقام، لئلا يظن الإنسان أن نقل من هو معروف بالعلم والفضل لكلام مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه حديث ولا يحتاج إلى نظر ولا إلى استدلال، فهذا قصور لا ينبغي التعويل عليه، لأن كثيراً من أفاضل العلماء قد نقلوا أحاديث في الترغيب والترهيب وفضائل القرآن سورة سورة، وقد تناقله أصحاب التفاسير وأهل الرقائق في كتبهم، ومع ذلك قد نبه المحدثون النقاد عليها بأنها موضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فما كل ما صدر بقال صلى الله عليه وسلم يقتضي أن يكون حديثاً، إلا أن يجده الإنسان في كتب الحديث المسندة، وإن كان الناقل له عمدة كالواحدي والواقدي والزمخشري والبيضاوي وغيرهم، وصاحب مختار الصحاح في نقل الحديث المتقدم، ونحن لا نقول بأنهم هم الذين وضعوا الأحاديث التي ذكروها في كتبهم مما نبه العلماء عليها بأنها موضوعة، بل نقلوها اعتماداً على قائليها من غير أن ينظروا بها، فقد تبين لك مما تقدم أن هذا الحديث الذي ذكره صاحب المختار موضوع ليس بحديث، وذلك لا يطعن في مقام ناقله كما عرفت ولا في علمه، وها هي الرسالة للمترجم المذكور بحروفها: