للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالتمس الجزار من الأمير بشير الوالي حينئذ المساعدة، فاعتذر بأن الأهالي لا توافقه على ذلك. ثم قدمت مراكب الإنكليز لعكا لرد الفرنساويين، فلم تطل المدة حتى رجع بونابرت بعساكره، وصفا الوقت للجزار عمدة الظالمين، فاشتغل بتعذيب الناس وظلمهم بالقطع والقتل، والجدع والسمل، إلى غير ذلك من الأفعال الفظيعة، والأحوال الشنيعة، حتى صار جوره وعدوانه مثلاً سائراً، ولم يزل إلى أن هلك قبحه الله في عكا سنة ألف ومائتين وتسع عشرة ودفن بها في الجامع المنسوب غليه، وقد أرخه بعضهم بقوله:

هلك الجزار ولا عجب ... ومضى بالخزي وبالإثم

وبميتته الباري عنا ... أرخ قد كف يد الظم

وعند موت الجزار كان في سجنه إسماعيل باشا فأخرجه الشيخ طه الكردي الظالم وأجلسه عوضاً عن الجزار مدعياً بأن الجزار بايعه بالولاية قبل موته، وكتب إسماعيل باشا للولايات يبشرهم بولايته، أما نائب الجزار في دمشق فلم يقبل أن يعترف بإسماعيل باشا والياً، فكتب للأمير بشير يطلب منه محافظة الطرقات وأن يمده برأيه، فأجابه الأمير أني فعلت كل شيء قبل ورود رسالتك، وأما إسماعيل باشا فلا يكون لأن الدولة لم تجعله في هذا المنصب، وبعد برهة أتى إبراهيم باشا والياً على دمشق فسار مع عساكر الأمير بشير وقتل إسماعيل باشا والي عكا، ووضع عوضاً عنه سليمان باشا، فرجعت دمشق إيالة على حدتها وكان ذلك سنة ألف ومائتين وعشرين. وبعد موت أحمد باشا الجزار، تسلط الناس على عزوته، وذوي شوكته، فأذاقوهم كؤوس العذاب، وفتحوا عليهم للهون والذل كل باب، وقرؤوا كلام من الأمر منه وإليه، " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه "، خصوصاً وقد كانوا يعتقدون في الجزار وجماعته ما أخرجهم ظاهراً من الدين، وأدخلهم في عداد الطاغين المعتدين، فمال الناس عليهم ميلة الاستئصال،

<<  <   >  >>