في كتاب دلائله على فضائله ما يقضي له بأسمى الرتب. ولد سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، وقرأ على السادة الأفاضل ذوي الفضائل والفواضل، إلى أن برع وفاق، واشتهر في الآفاق، وأتى من المنظوم والمنثور بما يدهش العقول ويشرح الصدور، ومن جملة ذلك مقامته التي توصل بها إلى مديح من كانت ذاته الشريفة مطلعاً للهمم ومشرعاً للكرم، حضرة مولانا الأمير السيد عبد القادر الحسني الجزائري التي سماها غناء الهزار في محاورة الليل والنهار، والسجعة الأولى من التسمية يؤخذ من حساب حروفها تاريخ إنشائها وترصيفها، وهي بحروفها لتدل على قدر مبدعها وموصوفها: حمداً لمن فتح أبواب الخير في جميع الأوقات، ويسر أنواع البر وقد أصناف الأقوات. وصلاة وسلاماً على من واظب على بث الحكمة ودأب، وعلى آله الذين تنافسوا فيما جاء من العلم والأدب، ما تعاقب الغدو والمساء، وضحكت الأرض من بكاء السماء.
وبعد فإني تفكرت ذات يوم في اختلاف الليل والنهار، وما أودع الله فيهما من لطائف الحكم والأسرار، مصغياً لما يترجمه لسان الحال، لأسند ذلك إليه دون انتحال، فرويت عنه من أنبائهما بدائع وغرائب، وقد قيل إن في الليل والنهار عجائب:
من لم يؤدبه والداه ... أدبه الليل والنهار
فصغت تلك المعاني، في مقامة رقيقة المباني، مشحونة بغرر من نتائج الأفكار، ودرر تزهو على البنات الأبكار، يزداد بها الأديب علماً وتبياناً، ويرتاد منها الأريب أدباً وعرفاناً. وأبرزتها في معرض المحاورة، لتجنح إليه أرباب المحاضرة، فهي فكاهة أحلى من عيش الصبا، ونفثة أرق من نفحة نسيم الصبا، وشحنتها بمدح أمير تتحلى بوصفه البراعة، وتنطلق في تقييد شمائله الشريفة أيدي اليراعة. فلله فوائد كفرائد اللؤلؤ