للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العلوم ودقق، وكان كثير المذاكرة حسن المحاضرة، ذا نطق فصيح وذكاء راجح مليح، وحافظة جيدة سامية، وتقريرات نحو الصواب وامية.

وقبل موته بنحو أربع سنين لازم داره، وجعل مطالعة العلوم وتحقيق المسائل مركزه ومداره، وكنت لا أجتمع معه في جمعية، إلا ويذاكرني في مشكل المسائل خصوصاً في الاصطلاحات الصوفية، ولم يزل صيته يعلو وقدره يسمو، إلى أن دعاه داعي المنون إلى حضرة من أمره بين الكاف والنون، وذلك منتصف ليلة الاثنين تاسع شهر محرم الحرام سنة خمس وثلاثمائة وألف، وصلى عليه في جامع بني أمية ما ملأ الجامع مع اتساعه من علماء ووزراء وفضلاء وغيرهم، ثم ساروا به في موكب عظيم إلى تربة الفراديس المعروفة بمقبرة الدحداح.

وفي تلك الليلة اجتمع من أعيان البلدة وصدورها جملة في دار الشيخ سليم أفندي العطار، وسطروا عرض وحضر إلى الوالي وكان غائباً في مدينة صيدا، وقدموه له في توجيه الإفتاء إلى أخيه أسعد أفندي، وكتب بموجبه مضبطة في مجلس إدارة الولاية، ثم في ثاني يوم كتب عرض محضر آخر وختم في بأختام جماعة آخرين بطلب توجبه الإفتاء إلى حضرة محمد أفندي المنيني، وقدم كذلك إلى الوالي، فأرسل الوالي الأوراق جميعاً إلى باب المشيخة مع كتابة منه خاصة سرية تجنح لتقديم منيني أفندي على أسعد أفندي، ثم إنه كثر بين الناس القيل والقال، وتفرقت الكلمة واتسع على الناس المجال، إلى أن مضى أيام، فجاء الأمر من المشيخة بتوجيه الإفتاء على محمد أفندي المنيني الهمام، فانقطع الخصام والجدال، ولم يكن إلا ما أراد ذو الجلال. ومن جملة من رثى المترجم المرقوم منير زاده محمد صالح أفندي فقال:

كل نفس ذائقة الموت حتما ... وإلى الله ترجع الناس حتما

<<  <   >  >>