للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلية، وسافر صحبته إلى إسلامنبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات، وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم عليه، وعاد صحبته إلى مصر ولم يزل ملازماً له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته، فأوصى إليه بجميع كتبه، واستقر عوضه في مشيخة رواق الشوام، وقرأ الدروس في محله، وكان فصيحاً مستحضراً متضلعاً من المعقولات والمنقولات، وقصدته الناس في الإفتاء واعتمدوا أجوبته، وتداخل في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره، واشترى داراً واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية، وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له أتباع وخدم، وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه، وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر أشهراً.

ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة، وألبسه كلهبر ساري عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب بصحبته قائمقام في موكب إلى المحكمة وفوضوا إليه أمر النواب بالأقاليم، ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته بعد ذلك، إلى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم، ورسم عبد الله جاك منو بأن يتخيروا عدة أشخاص كلهم لائقون للقضاء ومنهم المترجم ثم يعملوا قرعة، فعملوها كما أمرهم فلم تقم إلا على المترجم فتولاه أيضاً وخلعوا عليه وركب مثل الأول إلى المحكمة، واستمر بها إلى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والإفتاء، ثم قصد الحج في هذه السنة سنة ألف ومائتين وثماني عشرة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله.

<<  <   >  >>