كابر، ولد بدمشق سنة ألف ومائتين وست ونشأ بها، وأخذ عن علمائها، ثم ترقى في المناصب، ورقي درج المراتب، إلى أن صار عضواً في مجلس شورى الشام، وكان مهابا، مطاعاً مجابا، وفي ثمان وسبعين ومائتين وألف قد نفي بسبب حادثة النصارى إلى قلعة الماغوصة مع من نفي من علماء الشام وأعيانها، وفي يوم ذهابهم اشتد كرب الناس، وقوي الهم والباس، ونادى لسان الحال بفصيح المقال:
خطب كما شاء الإله جليل ... ذهلت لديه بصائر وعقول
ومصيبة كسفت لها شمس الضحى ... وهفا ببدر المكرمات أفول
وكبا زناد المجد وانفصمت عرى ... العلياء واغتال الفضائل غول
وتنكرت سبل المعارف واغتدت ... غفلاً وأقفل ربعها المأهول
ومضت بشاشة كل شيء وانقضت ... فالوقت قبض والزمان عليل
وعلا ملاحات الوجوه سماجة ... وخفيف تلك الكائنات ثقيل
والروض غبر والمياه أواجن ... ومعاطف الأغصان ليس تميل
والشمع والألحان لا نور ولا ... طرب وليس على الشمول قبول
خطب ألم بكل قطر نعيه ... كادت له شم الجبال تزول
فعلى المعالي والعلوم كآبة ... وعلى الحقائق ذلة وخمول
والسالكون سطت عليهم حيرة ... وغوى لهم نهج وضل سبيل
والعارفون تنكرت أحوالهم ... فحجاب عين قلوبهم مسدول
ودنان خمر الحب قد ختمت وبا ... ب الحان مهجور الفنا مملول
ما كنت أعلم والحوادث جمة ... والناس فيهم عالم وجهول
إن الدجى لبس الحداد توقعاً ... لمصابه قدماً وذاك قليل
أو إن صوب المزن حين هما على ... عفر الثرى دمع عليه يسيل
أو إن صوت الرعد حنة فاقد ... فقد العلا فله عليه عويل
أو إن قلب الرعد يخفق روعة ... لسماع ناع دمعه مسبول